مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

أمد يدي للمصافحة

ما أحوجنا في هذا العصر إلى تهدئة «اللعب» قليلاً.
وأقصد باللعب: التطرف والغلو والكراهية، ناهيكم عن القتل والذبح والتفجير الأعمى، لكل من هبّ ودبّ، بداعي الانتصار للعقيدة.
وقد مرت أوروبا بفترات حالكة السواد كهذه التي نمر فيها اليوم، ولم تنتبه إلى حالها إلا أخيراً، فتركت «ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، لهذا استوعبت الملايين من المسلمين وغيرهم من الملل في مجتمعاتها، وتركتهم يشيدون المئات من دور عباداتهم، ويمارسون شعائرهم بكل حرية، طالما كانوا يحترمون الدساتير ولا يتعدون على حقوق الآخرين.
وهذه كلمة حق يجب أن تقال، وما أحوجنا نحن المسلمين أن نتأسى بما قاله المولى تعالى: «ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدْواً بغير علم، كذلك زينا لكل أمة عملهم، ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون». وأرجع وأقول: إن المجتمعات الأوروبية ما زالت لا تخلو من شذاذ الآفاق، الذين ما زالت العنصرية متغلغلة في جيناتهم، رغم أنهم قلة قليلة منبوذة. وكنموذج من هذه القلة، إليكم هذه الحادثة التي حصلت قبل سنتين، وهي كالتالي:
جرت مواجهة قضائية بين زوجين ألمانيين ووكالة سياحية تركية بسبب صوت الأذان، إذ رفع الزوجان دعوى ضد الوكالة وطالباها بتعويضات مقابل الإزعاج الذي تسبب لهما فيه صوت الأذان، وذلك أثناء رحلتهما السياحية في تركيا، وقد خسرا القضية.
وجاء في حيثيات الحكم: أن هذا أمر معتاد في بلد إسلامي، تماماً كما هو الحال بالنسبة لصوت أجراس الكنائس في ألمانيا. انتهى.
ومن أروع المواقف هي عندما فاجأ أطفال كندا اللاجئين السوريين بترديد أنشودة «طلع البدر علينا»، عند استقبالهم لهم في مطار تورونتو، كما استقبلهم رئيس الوزراء الكندي ومنحهم معاطف للشتاء.
وكذلك عندما قام شابان هولنديان بإجراء تجربة ميدانية، للرد على الإساءات التي تناولتها حسابات غربية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتداولها آيات من القرآن الكريم، بدعوى أنها تبرر للعنف. فقد اشترى الشابان نسخة من الإنجيل ووضعوا عليه غلافاً للقرآن الكريم، ثم نزلوا إلى الشارع وقرأوا مقاطع من الإنجيل للناس على أنها من القرآن، وحينما سألوهم بعد ذلك عن آرائهم المبدئية، اتهم بعضهم المسلمين بأنهم يحاولون إجبار غيرهم على اعتناق ما يؤمنون به، ورأى آخرون أن العالم يتغير وعلى المسلمين التلاؤم معه.
وصعق الحضور عندما قالا لهم: إن كل ما سمعتموه هو مكتوب في «الإنجيل» الذي قرأناه عليكم، وليس القرآن. انتهى.
الشاهد، وأقولها من دون تردد: إنني من أصحاب التسامح، وأمد يدي دائماً للمصافحة.