سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

المطلوب من قطر

مشكلة دول الخليج مع قطر بدأت منذ تسلم الشيخ حمد بن خليفة سدة الحكم، وممكن أن تنتهي بإبعاده فعلياً عن الحكم لا شكلياً.
وصل الشيخ حمد بن خليفة للحكم بالانقلاب على والده ونفيه والحجز على أمواله، وبدأ فترة حكمه شاعراً بعدم الإحساس بالأمان، فهو خائف من ردة فعل الدائرة الصغيرة المحيطة به بعد عزل أبيه ونفيه، وهو خائف من الدائرة الكبيرة المحيطة به، أي دول مجلس التعاون، إن لم تتقبل التغيير بهذا الأسلوب الغريب على أعراف قبلية وسياسية جديدة على المنطقة، يشعر دائماً أن هاتين الدائرتين ممكن أن تنزعا منه السلطة؛ وذلك لسهولة نزع السلطة في قطر من حاكم إلى آخر!
لذلك؛ أسس وبنى وتبنى مشروعاً قطرياً منفرداً يعتقد أنه وحده ما سيبقيه في الحكم ويؤمّن له الاستقرار، ووحده ما سيبقيه في السلطة ويحميه.
اعتقد الشيخ حمد أن تحالفاته مع القوى العظمى، وقبوله بلعب الممول لمشروعات التقسيم في العالم العربي أكبر ضمانة لبقائه، وبخاصة أن تلك المشروعات هي إسقاط الدول المحيطة به، وبقاء قطر وحدها حاضنة للقيادة المركزية الإقليمية في المنطقة الجديدة التي ستنشأ بعد السقوط، منطقة تحكمها جماعات تدين لقطر بالامتنان لمساعدتها للوصل لسدة الحكم.
فالولايات المتحدة وإيران وإسرائيل رسمت شرق أوسط جديداً، وجميع هذه الدول اتفقت على ضرورة إعادة رسم خريطة المنطقة العربية، كي تحكمها «الأقليات» و«الجماعات الدينية» التي ستدين لقطر بالامتنان لدورها في الوصول للحكم، وستدار من قطر لوجود جميع قيادات تلك الجماعات في الحاضنة القطرية، وهكذا يضمن الشيخ حمد بقاءه في الحكم وبقاء قطر واقفة في محيط تساقطت دوله.
ما تطلبه الدول المقاطعة من قطر اليوم لا يكمن في التفاصيل، وقف قناة «الجزيرة»، أو قطع العلاقات مع تلك الجماعات، بل إن ما تطلبه هو قطع علاقتها «بمشروع حمد بن خليفة» أي إنهاء المشروع الكبير الذي عمل حمد بن خليفة ووزيره معه على تنفيذه على مدى العشرين عاماً التي مضت، أي منذ توليه سدة الحكم، وصرف عليه مليارات الدنانير، وقطع العلاقة بالمشروع يعني قطع العلاقة بجميع التنظيمات المسلحة التي قوضت الأمن في المنطقة، والأهم قطع العلاقة مع أجنحتها السياسية، والتوقف عن الدعم المقدم لها مادياً كان أم لوجيستياً.
تنفيذ هذه المطالب سهل في التنفيذ، إغلاق «الجزيرة» ووقف المؤسسات التمويلية وطرد الأجنحة السياسية، قرارات قابلة للتنفيذ في يوم واحد، وأهم مسألة في تلك المطالب أنها لا تمس الشعب القطري ولا تعني له شيئاً، ولا يعرف أصلاً أن قيادته ضالعة فيها، وتنفيذها سيعيد الشعب القطري إلى حاضنته الطبيعية الخليجية، إنما هل سيقبل حمد بن خليفة التخلي عن مشروعه؟ أبعد كل هذا الشوط الذي قطعه سيقبل بالتقاعد والاكتفاء بدور الأب الصامت؟ هل شخصيته من النوع الذي يقبل أن يهمّش ويقر بالهزيمة، وبأن المشروع انتهى منذ لحظة الإعلان عنه وكشفه؟
لا أعتقد، نأتي للسؤال الأهم، هل بإمكان الشيخ تميم المحاط بأبيه وبإخوته، أن يقنعهم أو يجبرهم على الإقرار بانتهاء المشروع والعودة إلى المعطيات الواقعية التي تعيد قطر إلى حجمها الطبيعي بعد حالة التضخم التي عاشتها؟ هل بإمكانه إقناعهم أو إجبارهم بأنه يستحق أن يمنح فرصة إعادة ترتيب تموضع قطر وسط محيطها الطبيعي؟ هل سيقنعهم أنه يستحق أن يحكم قطر الجديدة، قطر المنفتحة على جيرانها، قطر الآمنة المطمئنة في حضن جيرانها والمؤمّنة على استقرارها وأمنها معهم؟ صعب... فالأب محكم الخناق عليه، ومصر على الاستمرار في المشروع رغم استحالة التنفيذ بعد كل هذا الكشف والمواجهة العلنية.
حمد بن خليفة ما زال يناور وينكر، ويحاول كسب الوقت عله يفكك جبهة الصمود والتصدي للمشروع الأخطر على المنطقة، يحاول أن يضغط على تلك الجبهة باستدرار عطف الشعوب، بتحريك أصحاب المصالح التجارية، بتحريك الحلفاء تركيا وإيران وإسرائيل ومن يستطيع من الإدارة الأميركية، ومحاولته باءت كلها بالفشل إلى الآن، فهو لا يريد أن يقر بأن الدول المقاطعة ما كشفت المستور الأب بعد أن استنفدت بقية الحلول.
الحل في يد الشيخ تميم، وحده من يستطيع أن ينقذ قطر، ودورنا هو تشجيعه وفتح الباب له ومساعدته ليأخذ زمام الأمور بجدية وتحييد الأب إن أمكن، عدم خروج الأب للتحدث للعلن إلى الآن، ومنع حمد بن جاسم أن يتحدث من قطر، قد يكونان مؤشراً بأن تميم يحاول تقيد أذرع الأب ومنعه من تعقيد الأمور؛ لذا فإن إرسال رسائل إيجابية إلى تميم أن الطريق الوحيدة للعودة هو الإعلان عن انتهاء المشروع، وقطع العلاقة بينه وبين قطر.
فلا يغلق على الشيخ تميم الباب، وبخاصة مع القيادات الشابة في الدول المقاطعة ومع الوساطات التي نشطت، بل يساعد كي يجد له مخرجاً ولقطر كي تنقذ نفسها من مصير مجهول.