طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

إطلالة فيروز

أن تواصل العطاء لفترة زمنية تصل إلى ستة عقود من الزمان إنجاز استثنائي، في زمن شحيح عز فيه الاستثناء... أن تظل تحتلّ المقدمة لتصبح الخبر الأول كل هذا الزمن ومع تغير الأمزجة والأذواق والمشاعر فهذا هو المستحيل، فيروز حققت المستحيل. هكذا صارت إطلالتها القصيرة عبر «الميديا»، واستعداها لطرح ألبوم جديد باسم «لمين» في ذكرى زوجها العبقري عاصي منصور، الذي غاب عن الدنيا قبل 31 عاماً الحدث الأبرز في كل أجهزة الإعلام.
علاقة فيروز بالإعلام خاصة جدّاً، فهي فنانة نادرة الوجود، وأغلب ما يتم تبادله عنها هو ما تسمح بنشره أسرتها وتحديداً ابنها زياد وابنتها ريما، فنانو زمن فيروز كانت لديهم دائماً دائرة إعلامية في الصحافة والإذاعة والتلفزيون غرضها هو التلميع، وربما فتح النيران إذا لزم الأمر على الخصوم، فيروز والرحبانية لم يُعرَف عنهم اللجوء أبداً لتلك الأسلحة.
لفيروز مساحة في قلب كل عربي، فهي أكثر فنانة تمسكت بلهجة بلدها ورغم ذلك فلقد أحبها كل العرب وعبر تعاقب الأجيال ازدادت مساحة فيروز حضوراً في القلوب، حتى إن الإذاعة الرسمية في مصر تحرص يوميّاً ومنذ سنوات بعيدة على إعطاء الجمهور جرعة فيروزية خالصة تمتد نصف ساعة في الصباح الباكر، لكي ينتشي المصريون قبل أن يتوجهوا إلى أعمالهم.
فيروز قبل أكثر من ربع قرن لا تأتي لمصر، تردد أخيراً مع انتشار خبر عودتها للغناء، أنها ستقدم حفلاً في القاهرة، وهو ما تم نفيه، الوجه الآخر للشائعة أن هناك رغبة قوية جدّاً من أجل أن تعود فيروز للمحروسة حيث كان آخر حفل لها تحت سفح الهرم، غنت فيه للأخوين قصيدة «مصر عادت شمسك الذهب».
فيروز لا تزال أكثر فنانة عربية تدر حفلاتها أرباحاً على منظميها، ولهذا لا أدري، كيف لم يتمكن أحدهم من الحصول على موافقة جارة القمر، إلا أن التواصل لم ينقطع، لأن زياد الرحباني كثيراً ما يأتي لمصر لإقامة حفلات تحقق جماهيرية واسعة وله دائرة عريضة من المعجبين، من المؤكد أنه حققها بفنه وأيضاً لأنه امتداد لفيروز، ولهذا كثيراً ما يطلبون من فرط الحب لفيروز، بمنح زياد الجنسية المصرية.
فيروز في الثمانين إلا أن ما شاهدناه كصورة وما استمعنا إليه كصوت قبل أيام، أكد أن الزمن لا يمر عليها إلا ويمنحها ألقاً وحضوراً وشباباً، الفنان ليس إمكانيات يمتلكها ولكن فن إدارة الموهبة هو الذي يضمن الاستمرار، ومن الواضح أن فيروز ودائرتها القريبة تعلم جيداً كيف تظل فيروز أيقونة عربية.
قال عاصي الرحباني: «لا يمكن لأحد أن يسمي نفسه جديداً أو قديماً أو ثوريّاً، الذي سيسميه ويقيمه في النهاية هم الناس والزمن»، نعم، إنه الزمن، الذي شهد لصالح فيروز والرحبانية، كان الموسيقار محمد عبد الوهاب شديد التقدير لموهبة الأخوين عاصي ومنصور، وهو بحكم اقترابه من الثنائي أثناء العمل معهما في التوزيع الموسيقي لألحانه مع فيروز مثل «مُر بي» و«سهار» و«سكن الليل» كما أنهما أعادا توزيع أغاني قديمة له، مثل «خايف أقول اللي في قلبي» وغنتها فيروز فمنحتها حياة جديدة، كان عبد الوهاب يرى أن الموهبة والومضة الساحرة في الجملة الشاعرية والموسيقي هما لعاصي، وعندما سألوه عن فيروز أجاب أنها صوت الملائكة على الأرض، وننتظر قريبا ترانيم الملاك وهى تغني «لمين»!!