باسم الجسر
كاتب لبناني
TT

حول قانون الانتخابات اللبناني الجديد

الديمقراطية البرلمانية - الميثاقية ليست جديدة على الحياة السياسية اللبنانية، ولا فريدة من نوعها بين الدول أو في التاريخ. ولا بأس من التوقف عند آخر تجلياتها، ونعني إقرار القانون الجديد للانتخابات النيابية الذي اتفقت عليه الأحزاب والتكتلات السياسية المختلفة النظرة إلى المصلحة الوطنية اللبنانية، ولكن المتهادنة، لإنقاذ لبنان من فراغ مؤسساته الدستورية ومن امتداد الصراعات الدامية في سوريا والعراق إليه.
هذه القوى المتناحرة - المتهادنة تستحق الشكر على هذه الخطوة التي أعقبت الاتفاق بينها على انتخاب رئيس للجمهورية بعد فراغ في هذا المنصب دام سنتين، وعلى تأليف حكومة اتحاد وطني تضم خصوم الأمس القريب.
غير أن القانون الجديد للانتخابات النيابية على قاعدة النسبية والصوت التفضيلي يشكل قاعدة جديدة معقدة تضاف إلى الحياة السياسية في لبنان المعقدة أصلاً. ولذلك أعطيت الحكومة مهلة تسعة أشهر لكي توفر التفاصيل التطبيقية للقانون الجديد، وإفهامها للناخبين. لا سيما إذا أرادت تطبيق البطاقة الانتخابية الممغنطة والاقتراع في مكان الإقامة.
لقد تأخر إقرار المجلس النيابي لهذا القانون الانتخابي الجديد أشهراً بل سنوات، على الرغم من أن اتفاق الطائف وهو الدستور الوطني الميثاقي الثاني للبنان، نصَّ صراحة على تطبيق قانون جديد لا طائفي للانتخابات النيابية، وعلى قيام مجلس للشيوخ على أساس طائفي. ومن بين أسباب عدم تطبيق هذا النص الميثاقي تمسُّك كل كتلة أو حزب بمشروع يعتقد أنه يوفر له الفوز بأكبر عدد من النواب. فهل قبلت هذه القوى المتنافسة على الحكم بالقانون الجديد لأنه يوفر لها أفضل تمثيل في المجلس المقبل؟ أم أنها قبلت بالقانون الجديد من جراء ضغط الرأي العام اللبناني والخارجي عليها؟
يؤكد خبراء الانتخابات أن نتائج الانتخابات النيابية التي ستجري في ربيع 2018 على أساس هذا القانون الجديد لن تغيِّر كثيراً في خريطة المجلس النيابي المقبل. وإن كانت الكتل النيابية سوف تتقلَّص أو تتسع قليلاً. أما الحكومة التي سوف تنبثق عن المجلس النيابي الجديد فلسوف يتحكم في تأليفها عاملان:
1 - حالة الصراعات الدولية والإقليمية في سوريا والعراق وعلى المستويين العربي والإسلامي وخصوصاً الحرب على الإرهاب.
2 - الحرص على السلام والأمن داخليّاً عن طريق قيام حكومة اتحاد وطني مع بعض التعديلات في الوجوه.
إن «الميثاقية» والطائفية السياسية و«العيش المشترك» وغيرها من الروافد السياسية التأسيسية ليست جديدة على الحياة الوطنية والسياسية في لبنان يوم كان «صغيراً» في عهد المتصرفية، حين قام أول تمثيل شعبي في مجلس إدارة المتصرفية على أساس طائفي، ويوم حَلّت فرنسا محل السلطنة العثمانية، ونشأ لبنان الكبير عام 1926 في ظل الانتداب الفرنسي، واستمر كيانه قائماً بعد استقلاله عام 1943، فقد بقي التمثيل الطائفي - المناطقي وقانون الأكثرية هو المتحكم في مجالسه النيابية.
لم يكن ميثاق 1943 مكتوباً، بل كان رئيس الجمهورية الماروني ورئيس الحكومة السني، ورئيس المجلس الشيعي والجسم السياسي اللبناني هم من يطبقون التوازنات الطائفية على صعيد المجلس النيابي والحكومات، بل والوظائف العامة الكبرى، إلى أن كانت الحرب الأهلية (1975 - 1990)، وكان اتفاق الطائف الذي كرس دستوريّاً وسياسيّاً قواعد جديدة للحكم وللوفاق الوطني - الطائفي، وأكد في الوقت نفسه ضرورة تجاوز الطائفية السياسية في التمثيل النيابي، وأولوية «الوفاق الوطني»، و«العيش المشترك»، و«المناصفة» بين المسلمين والمسيحيين بانتظار اليوم الذي تتحرر فيه الحياة السياسية من الطائفية وتوازناتها لتحل «المواطنة» محلها.
هل سيساعد القانون الانتخابي الجديد على توفير السلام والاستقرار ويعيد للبنان الدور الذي كان يلعبه قبل عام 1975؟ أم أنه حل توافقي آنيّ يجنب لبنان الوقوع مرة أخرى في أتون الصراعات الدولية والإقليمية، والفراغات الدستورية؟
بانتظار قيام المجلس النيابي الجديد بعد سنة وتطورات الصراعات في الشرق الأوسط، لم يكن أمام الأحزاب والزعامات والأحزاب السياسية في لبنان سوى تجميد نزاعاتها. وتأجيل طموحاتها. وحسناً فعلت.