محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

بماذا نصح آينشتاين ابنه؟

كثيرون من الآباء يخططون لمستقبل أولادهم، خصوصاً الذكور منهم، وكثيرون آخرون يتركون لهم حرية الاختيار. والنتائج متضاربة في أفضل الأحوال.
هناك أولاد ينخرطون فعلاً فيما اختاره الآباء لهم، وهناك أولاد يتمردون، لأن ما يحبون مزاولته غير ما يحبه لهم آباؤهم. النجاح والفشل موجودان في كل قرار وفي كل اختيار. لا أحد يمكن له أن يتكهن بهما. هما ملك للظروف المختلفة. البعض ممن يختار العمل بوصية الأب ينجح، والبعض يفشل. والحال كذلك لمن يختار دربه بنفسه.
هناك من يسحب ابنه من المدرسة ويبدأ بتعليمه صنعته هو وفي باله أنه تعلمها من أبيه، وأن ابنه هو امتداد للتقاليد. في المقابل، هناك ملايين الآباء ذوي الدخل المحدود الذين يبذلون ويكافحون لأجل تعليم أبنائهم في المدارس والجامعات لتجنيبهم أي عمل منخفض القيمة.
بالنسبة لمكتشف نظرية الجاذبية ألبرت آينشتاين، فإنه حين واجه هذه المعضلة؛ حاول حلّها برسالة إلى ابنه بعث بها سنة 1915 عندما كان لا يزال يدرس نظريته الشهيرة. كان يعيش آنذاك في برلين بعيداً عن زوجته وولديه في فيينا. ربما كان ذلك ضرورياً له لكي يبحث في أمور الجاذبية من دون أن «تجذبه» المشاغل العائلية. لكنه فرّغ وقته لكتابة رسالة قصيرة لابنه هانز (11 سنة آنذاك) لا نتوقع صدورها من رجل في وزنه العلمي؛ إذ قال له فيها: «أنا سعيد جداً بأنك تجد المتعة بالعزف على البيانو. العزف والنجارة هما في رأيي أفضل ما يمكن لك أن تهتم به. هذا أفضل من المدرسة. السبب هو أن هذه الأشياء بالنسبة لفتى في عمرك تناسبه تماما. اعزف ما يسرّك حتى وإن لم يسرّ خاطر معلم الموسيقى. هذه هي الطريقة التي تستطيع أن تتعلم بها. حين تقوم بفعل شيء تحبه فلن تشعر بمرور الوقت. أنا كثيراً ما أنشغل بعملي لدرجة أنني أنسى أن أتناول وجبة الظهر».
حينها كانت زوجته، أم ولديه، هي التي توجه ابنها للعب البيانو وتعلمه، ولو أنها فضلت أن يترك هانز المفاتيح البيضاء والسوداء ويؤم أوتار الكمان. لكن هذا لا يبدو شاغل آينشتاين وهو يكاد ينصح ولده بأن يترك المدرسة لأنها لن تعلمه ما يحتاجه.
هانز (توفي سنة 1973)، لم يتبلور إلى موسيقار ناجح، وشقيقه الأصغر إدوارد أصيب بالشيزوفرانيا. العالم الشهير طلّق زوجته بعد تلك الرسالة بنحو عامين وتزوّج مرّة ثانية سنة 1919، وهو لم يتمتع بحياة عائلية مستقرة تواكب شهرته... كانت لديه أم عليلة وضعها في المصحة ثم أخرجها منها، وترك لزوجته الثانية مهمّة الإشراف عليها.
في نهاية المطاف، آينشتاين ليس عبرة، والسؤال الدائم الذي يواجهه معظم الآباء هو إذا ما كان من الأفضل ترك الخيار للابن لكي يعمل في المجال الذي يريد، أم الهيمنة على قراره لأن الأب يعرف أكثر وأفضل؟
لدي صديق من هذا النوع. قال لي قبل أسابيع قليلة: «أردت لابني الأكبر أن يدرس مهنتي محامياً لأنها مجزية، فإذا به يقع في حب الإخراج السينمائي. لا أدري ما أفعل؟».
هو ليس وحيداً في مثل هذه المعضلة، لكن الحياة تعلمنا أن نكون مرنين حيال مثل هذه القرارات، وما التوفيق إلا من عند الله.