خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الحظ والنصيب

«اليانصيب» من أكثر مؤسسات المقامرة في العالم وتشرف معظم الحكومات على أعمالها درءا لسوء عملها. وبهذه الصفة شاعت حكايات وطرائف وأمثال كثيرة عن دور الحظ والنصيب في حياتنا. من أكثر هذه الأمثال شيوعاً قولنا: «فوق الجمل ويعضه الكلب». وحكايته أن الفوضى شاعت في بلد حتى لم يأمن إنسان على نفسه. وشاءت الأقدار و«النصيب» لرجل اضطر لزيارة هذه المدينة لأمر فيها، قرر الاحتياط بأن ركب جملاً كبيراً يجتاز به الطرق، ولكنه لم يتقدم غير خطوات قليلة حتى لفت نظر أحد الكلاب العاتية، استغرب الكلب من عمل هذا الرجل فوثب على الجمل وعض الشخص عضة قاسية كادت تميته. فقال القوم: «فوق الجمل وعضه الكلب» وسار القول مثلاً بين الناس.
هكذا شاعت الأمثال عن الحظ والنصيب. يقولون في الأردن: «البخت يلحق صاحبه». ويقولون: «بوجه الحزينة سكرت المدينة». و«الشرايا لقايا والجيزات بخوت».
والشائع في تونس: «خذ بختك من حضن أختك». أما أهل فلسطين، وما أصدق ذلك عن أحوالهم، فيقولون: «لا تعتب على حبيبك واعتب على نصيبك». و«نصيبك يصيبك». ويدعو أهل لبنان ويبتهلون إلى ربهم فيقولون: «يا رب اخلقني حلوة واعطيني وجه الوحشة». ويقولون في العراق: «إذا كان لك نصيب ما ياكلك الذيب»!
أدب المسرح الإغريقي يقوم كله على الحظ والنصيب الذي يملي على أبطال المسرحية أو الرواية مصيرهم. هكذا اشتقوا حتى أمثالهم مما يجري فيها وما تعرض له شخوصهم. ومنهم اقتبس كثير من الأوروبيين أمثالهم وأعمالهم الأدبية والفنية. تجدها حتى في لوحاتهم الفنية وتماثيلهم. يحذر المؤلف المسرحي يوربيدس في مسرحيته «النساء المتضرعات»، صاحب الحظ فيقول: «الرجل الذي يتبجح بحظه قد يسقط ضحية بيد القدر». ويقول في مسرحية «هركليداي»: «الحظ يسبغ دائما هالة من المجد من دون مبرر في هذا العالم حتى ليبدو المحظوظ رجلاً عبقرياً».
وفي مسرحية «فيدرا» يقول سوفوكليس: «الحظ لا يقف بجانب الرجل الذي استأثر الجبن بقلبه». ويقول أيضاً سوفوكليس الشاعر في مسرحية «فيلوكتاتس»: «انظروا كيف يعيش الإنسان دائماً متأرجحاً بين كفتي الحظ الجيد والحظ السيئ». ولم يقصر الرومان في مساهماتهم في هذا الموضوع. يقول الفيلسوف الروماني سنيكا: «الحظ لا يكتفي بإطاحة رجل وإنما يجعله كذلك يتدهور على عقب ومن هشيم إلى هشيم».
طبعا لويليام شكسبير مساهماته في هذا الموضوع. نسمعه يصرح في مسرحيته «سمبلين» فيقول: «الحظ يجلب بعض السفن إلى مراسيها حتى من دون ربان يقودها». علما بأن كثيرا من مسرحياته يلعب الحظ فيها دوره الأول.
وأخيراً، ماذا عن مباريات كرة القدم والتنس والرغبي والسنوكر؟ وكيف يلعب الحظ فيها دوره في تسديد الهدف أو إضاعته. تسمع مدير الفريق الخاسر يبرر غالباً فشل فريقه بأن الحظ لم يساعده.