جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

الرؤساء يأكلون الحصرم والمسافرون يضرسون

بدأ تنفيذ الحظر الذي فرضه دونالد ترامب على دخول مواطنين من ست دول ذات أغلبية مسلمة وكل اللاجئين للولايات المتحدة.
وبدأت مأساة المسافرين المساكين المتقدمين للحصول على تأشيرات دخول من إيران وليبيا وسوريا والصومال والسودان واليمن، وكأن هؤلاء الناس لا يكفيهم ما أصابهم أو كأنهم لم يدفعوا ثمنا باهظا بسبب جنسيتهم.
وكان الرئيس الأميريكي قد أعلن الحظر في يناير (كانون الثاني) واصفا إياه بأنه إجراء لمكافحة الإرهاب.
من الضروري القيام بأي إجراء يحفظ أمن وسلامة أي بلد في الجو وعلى الأرض، ولكن ما لا يجوز هو الاستخفاف بعقول الناس وجعل من ليس لهم صوت يدفعون الثمن بسبب صفقات تجارية هدفها سحب البساط من تحت شركات طيران معينة.
عندما أعلن ترمب قرار منع الأجهزة الإلكترونية على متن الرحلات المنطلقة من بلدان عربية إلى الولايات المتحدة، حللنا الموضوع بعقلانية بعيدا عن نظرية المؤامرة. واليوم - ومع تنفيذ قانون حظر دخول المسافرين من ستة بلدان مسلمة - تأكد كلامنا. لأن طيران الإمارات تأثرت بسبب هذا القرار على الرغم من كل التسهيلات التي قدمتها لمسافريها، فانخفض عدد رحلاتها إلى الولايات المتحدة بنسبة كبيرة جدا، وألغت العديد من رحلاتها اليومية إلى عدة مدن أميركية بعدما تخلى رجال الأعمال عنها بسبب هذا القانون اللامنطقي.
ليست المشكلة الوحيدة أن «طيران الإمارات» أو «الاتحاد» تأثرتا سلبا بسبب القرار، إنما أتكلم هنا عن المسافرين الأبرياء الذين يدفعون ثمن كل هفوة وكل عملية إرهابية وكل صفقة سياسية وتجارية، فيتكبدون خسائر بحجم أحلامهم المتواضعة على عكس الخسائر التي يتكبدها اخطبوطات السياسة والملاحة الجوية. ولا يتأثر من وراء مثل هذه القوانين البالية إلا الناس العاديين الحالمين برحلة جميلة أو الراكضين وراء لقمة العيش.
السلطات الأميركية تشدد الإجراءات الأمنية حول الطائرات وفي مناطق الركاب وتزيد عمليات التفتيش باستخدام الكلاب. وتريد كذلك أماكن إضافية يمكن أن يخضع فيها الركاب للتفتيش من قبل مسؤولين أميركيين قبل مغادرتهم البلاد.
الإجراءات الأمنية التي تطال الجميع يمكن فهمها ويمكن تقبلها، ولكن عندما تطال فئة دون غيرها وجنسية دون سواها، نتساءل ونحزن ونقول: ما ذنب هؤلاء الركاب؟ ولماذا يكون المساكين هم الضحية في معمعة كل قضية ذات أبعاد مخفية؟
اليمني والسوري.. يحق له السفر إلى الولايات المتحدة، شعبنا العربي مشتت في جميع بلدان العالم ويحق له زيارة الأقرباء ويحق له الدراسة في الخارج ويحق له أيضا أن يكتشف العالم. فليس كل من يحمل الجنسية التي صنفها ترمب بالإرهابية، إرهابيا. وليس كل من يزور أميركا ينوي البقاء فيها. ولكن هذا القانون عشوائي وغبي ولا يحترم هوية الإنسان ولا حتى كيانه.
صحيح أنه من الضروري وضع قوانين تحمي الأميركيين وكل المسافرين في المطارات، ولكن ليس على مصلحة جنسيات محددة. وهذا القرار لن يدوم لوقت طويل، لانه لا يمكن تطبيقه بهذه الطريقة التعسفية، والولايات المتحدة بحاجة إلى رجال أعمال من تلك البلدان، ورفض إعطائهم تأشيرات سيتسبب بأزمات وسترفع أصوات الشركات الكبرى في أميركا إذا ما استمر الأمر على هذا الحال.
قرار ترمب المتسرع نجح في سرقة رحلات طيران الشركات العربية، ولكنه سيخفق على المدى المتوسط والطويل. ولهذا السبب تم التنبه إلى الأمر ورافق مساء تنفيذ القرار أخيرا تعبير «بشكل محدود» ووصفت صحف العالم القرار بالمثير للجدل. وهو بالفعل كذلك، لأنه ليس مبنيا على عقلانية ولا على صواب، إنه مجرد نزوة «ترمبية» ستزول عندما يكتشف السيد الرئيس بأن اقتصاد أي بلد لا يصفق بيد واحدة إنما هو بحاجة لأكثر من يد من أكثر من بلد وجنسية.