د. موضي الجامع
خبيرة ومستشارة أمن معلومات
TT

الحرب الإلكترونية واقع... الجيش الإلكتروني ضرورة

في الماضي كانت قوة الحرب بقوة الاسلحة والقنابل وحجم الجيش المشارك فيها، وأهم أهدافها تدمير البنية التحتية للدولة وتعطيل اقتصادها وإرعاب شعبها، في زمننا الحالي ظهرت حرب جديدة هي "الحرب الالكترونية" تختلف بنوع السلاح ونوع الجيش المشارك فيها، ولكنها تسعى لتحقيق نفس الاهداف وربما اكثر، والأهم انها تبدأ كحرب ضد مجهول، تجهل الدولة الضحيه هوية الطرف الآخر فيكون تركيزها على الدفاع عن أرضها وحماية شعبها وتقليل الأضرار قدر المستطاع فهي حرب لا يهم بالواقع مصدرها ولكن الذي يهم هل الدولة جاهزة للتصدي لها؟
الحرب الالكترونية قد لا يكون الطرف الآخر فيها دولة وانما قد تكون مجموعات او حتى أفرادا ممولين من قبل جماعات او فكر معين او حتى دولة معاديه تسعى لتدمير دولة أخرى بأكملها؛ ففي البداية كانت أسلحة الحرب الألكترونية تقنية بحته تعتمد على اختراق الأنظمة والأجهزه لتدميرها بأنواع مختلفة من الفايروسات والهجمات الإلكترونية، اما الآن فقد تطورت لأسلحة اقوى تخترق فكر الشعوب وتؤثر على توجهاتهم الفكرية وقراراتهم الشخصية، واهم أدواتها مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت جزءا اساسيا من حياة الناس ونسبة ثقتهم فيها بازدياد؛ فعلى سبيل المثال من السهل جدا إنشاء حسابات وهمية الكترونية تدار بشكل جماعي تعزز لفكرة معينة لزيادة نسبة المشاركات على هشاتاق معين يُلفت النظر له لتلويث فكر الناس بحقائق محورة تصاغ بأسلوب سلس قابل للتصديق، وهذا يعزز فكرة أن الحرب الإلكترونية اذا اتحدت مع الحرب الإعلامية وخُطط لها بشكل استراتيجي قد تدمر دولا وتهدم ثقة شعوب.
في فترة الانتخابابت الأميركية على سبيل المثال اتهمت اميركا روسيا بتدخلها للتأثير على رأي الشعب الاميركي من خلال اختراق خوادم الحزب الديمقرطي وتسريب ايميلاته، وقالت إنه أثر على رأي الشعب لاستيائه من محتويات الايميلات المسربه والتي يقال انها أثرت كثيرا في النتائج، حسب قولها، فيما أنكرت روسيا ذلك. وهي مشكلة لا تزال قائمة بين الدولتين ما بين الاتهام الاميركي والانكار الروسي، لكن بغض النظر عن صدق الاتهام او صدق الانكار فصدق التأثير واقع لا يمكن تجاهله.
في مقال سابق" ماذا بعد فايروس الفدية؟" ذكرت مصدر التسريبات التي عانا ولا يزال يعاني منها العالم وسيعاني اكثر بالمستقبل اذا لم تتم دراسة هذه التسريبات وتحليلها وسد ثغراتها والتي يعتقد انها كانت تستعمل كأدوات تجسس من قبل وكالات للأمن، فأول نتائجها كانت في شهر مايو(أيار) الماضي بفايروس الفدية الاول WannaCry والذي كان يعتقد انه الأكثر ضررا بتاريخ الهجمات الالكترونية، حيث طال ضرره العالم أجمع، لكن بريطانيا كانت الضحيه الأكبر، ولكن سرعان ما أثبتت التسريبات خطأ هذا الاعتقاد بظهور فايروس جديد هذا الاسبوع NotPetya يفوق في قوته وضرره فايروس WannaCry والذي بدأ بمطارات وبنوك اوكرانيا، حيث تم اعتباره سلاح حرب الكترونية ضد اوكرانيا شل بنيتها التحتيه فبدأ بها ثم انتشر في روسيا والعالم أجمع.
والجدير بالذكر ان اوكرانيا بالذات لا تزال تتعافى من هجمة الكترنية تعرضت لها في ديسمبر(كانون الاول) 2015 شلت عمل شبكة الكهرباء فيها بالكامل وعاشت الدولة في ظلام دامس وبارد لمدة يومين.
الحرب الالكترونية خطر حقيقي باختلاف أدواتها التقنية والفكرية والتي تهدد أمن الشعوب، لكن التصدي لها ممكن وغير مستحيل وسبل الاستعداد لها عديده وقوية أهمها الجيش الالكتروني؛ فهي حرب حقيقية تحتاج لجيش حقيقي يدافع عن دولته بشراسة، وهذا ما لاحظته أغلب دول العالم واستعدت له بجيش الكتروني، كما فعلت روسيا وكوريا الشماليه مؤخرا حيث عززت قدرتها الالكترونيه لشن هجمات والتصدي لهجمات تستهدفها، فالحرب الالكترونية بين الدول الآن اصبحت واقعا لا يمكن تجاهله.
الجيش الالكتروني هو الجنود المسلحون بالعلم الالكتروني وآخر أساليب الاختراقات وطرق التصدي لها، تمكنهم من محاربة أي مخترق وصد أي هجمة الكترونية تتعرض لها الدولة، والذي لا يمكن انكاره ان الشعب الآن يعتبر جزءا مهما من جيش الدولة الالكتروني، حيث اثبتت الاحصائيات ان 80% من الهجمات الالكترونية الناجحه يكون مصدرها قلة وعي المستخدم العادي بالأخطار الالكترونية البسيطه، حيث يدخل منها الفايروس وينتشر بالشبكة، فالمتسخدم هو " الحلقة الاضعف" في أي نظام وهذا موضوع آخر يطول شرحه لكنها نقطه مهمه لا يمكن انكارها.
والذي لا يمكن ايضا انكاره ان 20% من النسبة المتبقية خطرها اكبر وضررها أخطر إذا تم استغلالها، حيث نوه كل من وزير الدفاع البريطاني ووزير الدولة للشؤون الامنية البريطانيه هذا الشهر في مؤتمر Cyber17 في لندن، بحرص حكومتهما على التصدي للهجمات الالكترونية من خلال " الخطة الاستراتيجية الوطنية لأمن المعلومات" والتي خصصت لها الحكومة البريطانيه مبلغ 1.9 مليار جنية استرليني تركز فيها على ما سموه بال 3 Ds (DEFEND، DETER ، DEVELOP ) وهو (الدفاع، الردع والتطوير) وهي خطة استراتيجية قوية تمتد لخمس سنوات من الاجراءات والدراسات والابحاث الامنية والتعاون المشترك ما بين قطاعات الدولة الخاصه والبحثية والحكومية والتي تعزز قوة وأمن بريطانيا في التصدي للهجمات والحروب الالكترونية.
في الختام التقنية هي أساس المعاملات البنكية والمولدات الكهريائية والمنشآت البترولية والاتصالات والمواصلات ..الخ لذا تستحق الاهتمام الأكبر وحمايتها أمر مهم وممكن بالإعداد الصحيح لها من جيش الكتروني وخطة استراتيجية وطنية ووعي أمني يحمي الشعوب.