داليا عاصم
كاتبة صحافية وباحثة في علم الاجتماع الافتراضي
TT

هل نهدر رأس المال الاجتماعي على «فيسبوك»؟

نشر مارك زوكربيرغ مؤسس والرئيس التنفيذي لفيسبوك، الأربعاء الماضي، خريطة "مدهشة" تظهر ترابط العالم بشكل غير مسبوق، بالتزامن من إعلان بلوغ عدد مستخدمي موقع التواصل الأشهر "ملياري شخص". الخريطة، التي نشرها زوكربيرغ على صفحته، تظهر ما وصفها بالصداقات التي صنعها موقع "فيسوك"، متباهيا بأن عدد قاعدة المستخدمين لفيسبوك يفوق عدد سكان أي دولة منفردة، ويتجاوز سكان 6 من القارات السبع. كما يمثل أكثر من ربع سكان العالم البالغ عددهم 7.5 مليار نسمة.
هذه الخريطة تنبهنا لنتأمل معا حال رصيد علاقتنا الاجتماعية والمقابل الأكاديمي له في علم الاجتماع "رأس المال الاجتماعي" Social capital.
قبل 10 سنوات لم يكن لدينا هذا الكم من العلاقات والأصدقاء والمعارف والزملاء، وما أن ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي social networks sites (SNS) إلا وتغيرت معها حياتنا الاجتماعية والعملية والأسرية، فأصبحنا نرتبط بأصدقائنا عبر "السوشيال ميديا" ونقضي معهم أوقاتا أكثر وربما أسعد من التي نقضيها مع أفراد أسرتنا المقربين، فهل أضافت لنا وسائل التواصل الاجتماعي أم أنها قلصت من رصيد علاقتنا وأثرت علينا بشكل سلبي؟
الإجابة محيرة حقا سواء للباحثين أو لغيرهم، خاصة وأن إجراء الأبحاث على هذه المواقع يتطلب من الباحث متابعة لحظية للتغيرات التي تحدث على "فيسبوك" و"تويتر"، فضلا عن أن اختيار عينة البحث أمر يشوبه عدم الدقة والموضوعية وأهم الأسباب عدم تناسب حجم العينة مع عدد أعضاء تلك المواقع وعادة ما ينخرط الباحث في دوامة لا نهاية لها.
على أيه حال، وبعيدا عن التعريفات الأكاديمية، ماذا يعني رأس المال الاجتماعي؟ هو باختصار "رصيدك من العلاقات" والمنفعة التي نحصل عليها من خلال علاقاتنا. وتناوله الباحثون باعتباره أمراً ايجابيا برغم أنه قد يستغل سلبيا لإلحاق الضرر بالمجتمع. وخلال بحث اكاديمي قمت به استخلصت تعريفا إجرائيا له بأنه "رصيد العلاقات التي يتمتع بها الفرد من خلال قدرته على تكوين شبكة اجتماعية (واقعية/ افتراضية) تتيح له موارد ومزايا ومعلومات وامتيازات تساعده على تحقيق أهدافه، يتضمن ذلك مستوى معينا من الثقة، يمكن الفرد من استنفار تلك العلاقات لكي يتمكن من تحقيق مصالحه ورغباته".
ومع التحولات المتسارعة في عالم التواصل الاجتماعي أصبحت العلاقات الاجتماعية أكثر ثراءً وتنوعاً، خاصة وأنها يمكن أن تحدث في أي وقت ودون قيود بعكس الزيارات واللقاءات العائلية. فقد ارتفع عدد أصدقائنا مثلا من حوالي 30 صديقا نلتقي معهم في الواقع ما بين الجيران والمدارس والعمل والنادي إلى مئات الأصدقاء، منهم من تقابلنا معهم في الواقع ومنهم من لم نعرفهم سوى عبر صورة وتعليق!
لا شك أن بناء العلاقات الاجتماعية وتكوين رأس المال الاجتماعي بات أسهل وأفضل عبر شبكة الإنترنت التي تنقلنا إلى الفضاء الافتراضي، وهو ما أيده كثير من العلماء، ومنهم: نان لينLin ، وميجان أليساندريني Alessandrini وفابيو ساباتيني، وأولف أجرينAgren، وجيرمي ليوتاوLittuo ومويرا بوركBurke، وآنيتا بلانشاردBlanchard وتوم هورنHorn، وبيير ليفيLivy وغيرهم.
لكن لا يمكن أن ننكر بعد نظر العالم الأميركي الكبير روبرت باتنام Putnum وآرائه التي مفادها أن "العلاقات المتكونة بين الأفراد عبر شبكات التواصل الاجتماعي هي علاقات هشة وأنها تضعف رأس المال الاجتماعي" ورغم أنني قبل عامين كنت أختلف معه،؛ على اعتبار أن علاقاتي الافتراضية تساعدني كثيرا في الوصول للمعلومات والتواصل مع مصادري الصحافية بشكل أسرع وأفضل وأن رصيد علاقاتي تضخم وأن هناك علاقات افتراضية تحولت لواقعية وأصبحت صداقات عميقة، لكني في الحقيقة مثلي مثل عدد كبير من الأصدقاء، وجدت أن تواصلي مع أقرب المقربين لي بات غير مريح وصعبا وأصبحت العلاقات الأسرية أكثر هشاشة مما كانت عليه من قبل، بل وأهرب إلى علاقاتي الافتراضية من ضغوط حياتي اليومية.
في المقابل الشبكات الاجتماعية "تتعملق" كل يوم بفضل تغذيتنا المستمرة لها من صور وتعليقات ومشاركات، وقضاء الساعات المتصلة ليلا ونهارا. ولملاحظة مدى تطور ظاهرة الإقبال على موقع "فيسبوك"Facebook تأملوا معي الزيادة في أعداد المشتركين التي كانت في عام 2010، حيث كان عدد مشتركي فيسبوك أكثر من 517 مليون مشترك من 212 دولة، خلال 6 سنوات، وفقا لموقع world internet states ، بينما في 2012 أعلن مارك زوكربيرغ، أن عدد المشتركين الفعليين للموقع وصل إلى بليون شخص؛ أي أنه كان هناك شخص من كل 7 أشخاص على سطح الأرض لديه حساب على فيسبوك والآن تضاعفت تلك الأرقام. نحن لا ندرك إلى أي حد سيواصل زوكربيرغ فكرته المجنونة التي جعلت دوائر العلاقات الاجتماعية بيننا وبين أي شخص في العالم حوالى 3 اشخاص؛ لقد جعل مقولة" الدنيا صغيرة" تتحقق بشكل مدهش، وبات الموقع يربطنا ببعضنا أكثر من اللازم، لكنه يفكك مفهوم "الأسرة" بموافقة منا جميعا. ربما علينا أن نعيد حساباتنا ونهرب من "فيسبوك" لبعض الوقت.