د. حسين الطائي
أكاديمي وصحافي عراقي يعمل في «الشرق الأوسط»
TT

اللغة العربية.. ضيعتنا أم أضعناها؟

سؤال أطرحه على نفسي كلما واجهتني معضلة لغوية أو معنى لحدث أو اسم لذات من الذوات. هل أضعنا اللغة أم هي التي ضيعتنا؟!
الكثير من متذوقي اللغة العربية قالوا بضرورة أن تقوم مجامع اللغة العربية بعمل جهدها في سبيل تسهيل استخدامات اللغة وتبسيط ما هو معقد من مفرداتها وأسمائها واستعمالاتها. وهي دعوة لا تخلو من تحليل، فأما الذين نادوا بهذا الأمر هم في الأصل مبتعدون عن اللغة أو أن ذوقهم لا يتعدى اللفظ دون المعنى والتراكيب والصور، وهذا ينبئ أن من لم يتعامل مع العربية على أصولها ويطّلع على أسرارها ليكتشف حقائقها وعذوبة ألفاظها وحلاوة معانيها، سوف يدعو بالفعل الى تجديدها وتسهيلها، وسوف يرضى باستخدام ألفاظ غريبة عليها دخيلة فيها، حتى تصبح العربية خليطا من مفردات هجينة وأخرى دخيلة غريبة وثالثة مشتقة على غير قياس.
فلو أصبح الأمر هكذا فما قيمة قواعد العربية إذن؟ وما فائدة النحو ووزن الكلمات وتصريفاتها؟ وما الداعي للجوء الى المعجم لمعرفة معاني الكلمات، ولنبحث إذاً عن قواعد جديدة ومعاجم أخرى مناسبة مع الكلمات الدخيلة والغريبة.
فبدل أن ندعو الى الاعتزاز بلغتنا العربية والتمسك بها وإحياء ما اندثر منها مع ما تتعرض له من هجمات كثيرة وكبيرة، ندعو الى استبدال مفرداتها الجميلة وأساليبها الراقية واستعمالاتها العجيبة بإخرى دخيلة غريبة!
يجب ان يعلم الذين ينادون بهذه الدعوة أن لغتنا العربية أوفر اللغات مادة وأقلها حروفا وأفصحها لهجة وأكثرها تصرفا في الدلالة على أغراض المتكلم، والعربية لديها قدرة عجيبة على التواصل والتوالد مع ما تتمتع به من موسيقى ووزن لا نظير لهما في اللغات الأخرى.
أين نحن من الذين تأثروا بالعربية ودافعوا عنها وهم ليسوا عربا أصلا. قال المستشرق الألماني يوهان فك:"  لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر".
والعربية بعد لغة قديمة حديثة؛ فهي رغم قدم جذورها الممتدة لآلاف السنين لم تعرف الشيخوخة، وبقيت على الدوام ولودا رغم الهجمات العنيفة ضدها.
أقول لمن أراد ان يستبدل العامي بالفصيح والأصيل بالدخيل والغريب بالقريب إن اللغة العربية لديها من الجذور والمفردات ما يغنينا عن اللجوء الى دخيل الكلام وغريبه؛ فقد نقل صاحب المزهر نقلا عن مختصر كتاب العين للزبيدي ما نصه : "عدة مستعمل الكلام كله ومهمله ستة آلاف ألف وتسعة وخمسون ألفا وأربعمائة، المستعمل منها خمسة آلاف وستمائة وعشرون، والمهمل ستة آلاف ألف وستمائة ألف وثلاثة وتسعون ألفا وسبعمائة وثمانون"، ما يعني 6.950.400 مفردة لغوية. فهل يا ترى هذا الرقم المهول من المفردات غير كاف لإيجاد الحلول للمعضلات اللغوية التي نتعرض لها، أو تصادفنا في حياتنا، مع أن النقاد وعلماء العربية أجمعوا على أننا لم نستخدم من لغتنا العربية إلا ثلاثين في المائة فقط منها.
فهل اللغة العربية ضيعتنا حتى أصبحنا نتلمس المفردات ونستجدي الألفاظ من غيرها، أم نحن ضيعنا اللغة؟!
ولعمري على الحالتين الخسارة كبيرة.