طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

أنا أنافس نفسي

كم مرة استمعتُ إلى تلك الإجابة التي يتناقلها عادة الفنانون باعتبارها الكلمات الصحيحة للأسئلة العويصة، السؤال: «كيف ترى المنافسة بين النجوم وما هو موقعك تحديداً؟».
تأتي الإجابة: «ربنا يوفق الجميع، أنا لم أرَ مع الأسف الأعمال الأخرى لانشغالي بالتصوير، ولكن صدقني أنا لا أنافس سوى نفسي، ولا أتابع أحداً سوي نفسي».
لقد تعود النقاد أيضاً استخدام تلك العبارة التي صارت أقرب إلى كليشيه «فلان أو فلانة تفوق في هذا الدور على نفسه»؛ هل الفنان يدخل في سباق مع نفسه، مرة يتفوق عليها ومرات تتفوق عليه؟! إن هذا لو صح يُصبح هو بداية طريق النهاية!!
هناك تنافس مشروع يؤدي إلى ضخ شحنات الإبداع، وآخر قاتل لأنه يُضمر الغيرة المرضية، التي تصل إلى تخوم الحقد، وهي تقتل صاحبها، الحقد مثل أن تتجرع سُمّاً، وأنت تعتقد أنك تقتل الآخر، فلا تطعن ولا تنال سوى من نفسك.
لدي أكثر من واقعة على الغيرة الإيجابية، وكيف أنها أسهمت في زيادة ومضات الإبداع، مثلاً في عام 1964، غَنّت أم كلثوم ولأول مرة من تلحين محمد عبد الوهاب «أنت عمري»، في العام ذاته رددت قصيدة أبي فراس الحمداني التي لحنها رياض السنباطي «أراك عصي الدمع»، شاهَدَ الجمهور بيانو يشارك فرقة أم كلثوم الشرقية التقليدية في عزف «أراك عصي الدمع»، إلا أن النجاح الجماهيري كان من نصيب «أنت عمري»، فما الذي فعله السنباطي هل مثلاً اتهم أم كلثوم بالتحيز أو الدعاية لـ«أنت عمري» على حساب «أراك عصي الدمع»، أبداً... اعترف بالهزيمة، وقرر أن يقدم ما هو أروع، وجاء اختياره عام 1966 لقصيدة إبراهيم ناجي «الأطلال»، وتعايش بصدق مع تفاصيلها، الشعب العربي كله ردد «الأطلال» ونجحت في أن تكسر الدنيا بلغة الأرقام، إلى درجة أن السنباطي ألحّ على أم كلثوم بأن يخرجا معاً على الرأي العام، ويعلنا اعتزال الفن باعتبار أن هذه هي الذروة الغنائية لهما، وبالطبع لم تتحمس أم كلثوم لاقتراح السنباطي لأن الفنان لا يغادر الميدان.
قال لي الموسيقار كمال الطويل الذي احتفلنا بذكراه الرابعة عشرة أمس، إنه بعد أن تم اعتماد صوت عبد الحليم بقصيدة صلاح عبد الصبور: «بعد عامين التقينا ها هنا»، ووجد أن اللحن لم ينجح جماهيريّاً، بينما من بعده مباشرة نجح الموسيقار محمد الموجي بلحن «صافيني مرة» الذي حقق نجاحاً جماهيريّاً ضخماً لعبد الحليم، فقرر أن يقدم لحناً أكثر جماهيرية من لحن الموجي، فجاء «على قد الشوق» الذي بلغ ذروة النجاح الجماهيري ولا يزال محققاً أعلى درجات النجاح.
عندما ينجح مثلاً المطرب الشعبي محمد رشدي، فيصبح هذا دافعاً لكي يغير عبد الحليم حافظ الدفة، ويغني أيضاً شعبياً مثل «على حسب وداد جلبي» و«الويل الويل» و«أنا كل ما أقول التوبة».
المخرج صلاح أبو سيف كان يعترف دائماً بأن مخرج الشباك الأول هو حسن الإمام، وأنه يسعى لكي يحقق نجاحاً في الشباك موازياً لحسن الإمام الذي حمل لقب «مخرج الروائع».
لا أحد ينافس نفسه، لأن الملعب به عشرات من الموهوبين، والشاطر هو الذي يراقب نجاح الآخرين، لا يحقد ولكنه يدرك لماذا هم ناجحون، ويحاول أن ينافسهم ويتفوق عليهم، لأنه لو قال: «أنا أنافس نفسي»، فسيجد نفسه يتراجع خطوات «إلى الخلف دُر» عن نفسه..!!