سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

نجوم الصيف: كوجاك

عاش قسطنطين (كوستا) سافالاس شبابه يحلم بأن يصبح مطرباً، غير مهم بأي درجة من الشهرة. فصوته جميل، كما تؤكد له أمه وأشقاؤه. وراح يجرِّب حظه بلا جدوى، فيما تحوَّل رفاقه الفقراء في الحي النيويوركي إلى أشهر مغنّي أميركا، وبينهم إيدي فيشر الذي سوف يتزوج من إليزابيث تايلور.
وهذه القصة كانت أول ما يرويه لك كوستا، أو «غاص»، أول ما تتعرف إليه. ثم يكررها على الدوام. ثم قد يغني في العشاء ليثبت لك صحة ما يقول. القصة الثانية كانت عن شقيقه تيللي الذي سوف يصبح صاحب أشهر صلعة في السينما بعد يول براينر. فعندما بدأ تيللي التمثيل إلى جانب برت لانكستر، في دور ثانوي، بدأ شعره بالتساقط، وأصيب بكآبة. ونصحه لانكستر، الذي كان أحد أشهر الوجوه آنذاك، بأن يحلق شعره كاملاً، على «الزيرو». وأعطاه ذلك شخصية خاصة. وبدأ لمعانه الذي وصل إلى ذروته في مسلسل «كوجاك»، الشرطي النيويوركي الذي لا يُقهر.
قصة «غاص» الثالثة كانت عن بلد الأم، اليونان. كان يتحدث عن أثينا بكل جوارحه وكأنه يؤدي دوراً درامياً في مسرحية شعرية. وكانت زوجته، هيلن، تقول له مازحة، كلما تعرفا إلى شخص جديد: «غاص، حاول أن تنتظر خمس دقائق قبل أن تبدأ الحديث عن تيللي». وكان يحاول جاهداً، لكن أعلى رقم بلغه كان ثلاث دقائق وشيئاً من الثانية.
عندما بدأ تيللي يثبت أقدامه في السينما، بدأ يبحث عن عمل لأشقائه. لم يصل أي منهم إلى الدور الأول، لكن العائلة كلها سعدت بالأمر. ولم يستطع تيللي العثور على عمل لـ«غاص» إلا في أواخر أيامه، وكان دوراً ثانوياً لم تظهر فيه شخصية «غاص» الطيبة وروحه الجميلة، الذي عاش طويلاً بعد تيللي يروي حكاياته.
عندما جئت أول مرة إلى نيويورك عام 1973، قال لي «غاص»: يجب أن تتعرف إلى تيللي، وإلى أمي، وأعطاني رقميهما. وجاء صوت تيللي كأنه نسخة من صوت «غاص»، وتحدث كأننا نعرف بعضنا من أيام الطفولة، وقال: إنني أنتظرك، الآن. وذهبت إليه في جناحه في فندق «شيري نذرلاند»، المواجه لفندق بلازا، وكان محاطاً بكل ألق النجومية، لكن من الداخل كان يشع منه ألق البساطة. ومثل «غاص»، بدأ الحديث عن اليونان، ثم انتقل إلى الحديث عن فقر الطفولة في نيويورك، ولكن بابتسامة دائمة. وقال إن العائلة مدينة بكل شيء لأمه، ثم أضاف: «يجب أن تذهب لرؤيتها. سوف تفرح بأن تسمع منك عن (غاص) وأبنائه».
بعد نحو أسبوع، اتصلت بالأم، وجاء صوتها قوياً واثقاً ورعوياً. وكان أول سؤال طرحته عليَّ: «هل اتصلت بتيللي في الشيري نذرلاند»؟ كانت فخورة بالابن اللامع. ثم دعتني إلى العشاء: «يجب أن تأتي وتشاهد اللوحات التي أرسمها».
إلى اللقاء..