إميل أمين
كاتب مصري
TT

العربي في هوليوود... جدلية الأشرار والأخيار

من هو العربي الذي تقدمه شاشة هوليوود تاريخياً؟ عبر عشرات الأفلام التي قدمتها السينما الأميركية بات وكأن العرب قوم لا علاقة لهم بالحضارة أو التمدن، كارهين ومتعصبين غير متسامحين إلى آخر قائمة طويلة من المثالب والعيوب.
لماذا الحديث الآن عن إشكالية الصورة العربية على الشاشات الأميركية؟
حكماً جاءت وفاة البروفسور جاك شاهين الأيام القليلة الماضية لتفتح أعيننا على واحدة من أهم الإشكاليات التي تواجه الحضور العربي في الولايات المتحدة، سيما أن غالبية الشعب الأميركي رقيق الحال بالثقافة المعمقة، ويستمد في معظم الأحايين جل أفكاره من وسائل الإعلام وفي المقدمة منها شاشة هوليوود.
اكتشف شاهين اللبناني الأصل، وإن ولد في مدينة بتسبيرغ بولاية بنسلفانيا مبكراً، الظلم الذي توقعه هوليوود على العرب، وقد عد نحو تسعمائة فيلم تمتد منذ عصر السينما الصامتة وحتى عصر الأفلام التي تعتمد على أعقد التقنيات الكومبيوترية، لم يجد من بينها سوى اثني عشر فيلماً تقدم صورة عادلة للشخصية العربية.
عبر مسيرته الطويلة كناقد فني ومحاضر وأستاذ في جامعة إلينوي لعب شاهين دور ذبابة سقراط بالنسبة للأميركيين، بل أكثر من ذلك، فقد كانت آراؤه صادمة لهم إلى أقصى حد ومد، وأسئلته المثيرة تدعوهم للبحث في أضابير التاريخ، سيما أنه يعتبر وسائل الدعاية الأميركية لا تختلف كثيراً عن أساليب غوبلز وزير دعاية هتلر في تكرار صورة كاذبة بعينها حتى تصبح هذه الصورة لدى العامة «حقيقة» واقعة.
لم يكرس أحد من العرب المعاصرين من الجيل الثاني في أميركا حياته لقضية الصورة كما فعل شاهين الذي رفض التشويه المتعمد للناطقين بالضاد، ولم يتوقف عند حدود هوليوود المكذوبة، بل تخطاها في محاولات جدية لتعريف الأميركيين بالعرب الحقيقيين، الذين قدموا خدمات للحضارة الإنسانية، مبينا لهم إسهامات علماء الطبيعة والكيمياء والطب العرب، والتي أثرت في الأوروبيين قبل أن يجد الرجل الأبيض طريقه إلى أراضي الهنود الحمر.
هل من المهم للمواطن الأميركي أن يعرف ويلتفت للأنماط العربية؟
الشاهد أنها مسألة جادة وحرجة، لأن كراهية الغريب التي يسميها اليونان «الأكزينوفوبيا» تحذر من التشويه المتمثل لأي جماعة دينية أو عرقية أو إثنية حتى لا يتسبب ذلك في معاناة الناس الأبرياء.
عمل شاهين كي لا يكرر التاريخ أخطاءه وخطاياه في القرن العشرين، ففي فبراير (شباط) 1942 قام الأميركيون بترحيل مائة ألف مواطن من أصل ياباني من منازلهم إلى معسكرات بعيدة، تخويناً لهم وعزلاً بعد حادثة بيرل هاربر الشهيرة.
كذلك ظلت جماعات السود الأميركيين محرومين من حقوقهم المدنية الأساسية لحقب زمنية طويلة، تُنهب ممتلكاتهم ويغتالون، ونفس الشيء بالنسبة إلى الهنود الأميركيين الذين تم ترحيلهم، وكانت الطامة الكبرى في أوروبا الحرب العالمية الثانية وما حدث في الهولوكوست.
جزء من الأزمة التي كرس البروفسور شاهين ذاته لملاقاتها، لا يعود للأميركيين بصورة عامة، بل لما ورثوه من تنميط مغشوش من الأوروبيين، الذين أوجدوا كاريكاتيرية للعرب الكسالى ذوي الوجوه الهمجية، وما أضافه الأميركيون على شاشة هوليوود سوى «زخرفة بمسحة أميركية».
عبر أكثر من أربعة عقود ناضل «ابن العرب» شاهين في دروب أميركا الفكرية، غير أن التحدي أكبر وأخطر من أن يواجهه شخص بمفرده مهما بلغت قوة حجته، وقدرته على التصدي والتحدي، لما هو أبوكريفي أميركي... هل من دليل؟
قبل نحو عامين تقريباً كانت هوليوود ومن جديد تعيد إنتاج التاريخ بروايات تعزز من كراهية الأميركيين للعرب والمسلمين، عبر فيلم «دراكولا» الذي لا يخلو من دلالات سياسية سلبية، تسترجع من أوروبا القديمة وعصورها الوسطى صورة المسلمين، والصراع الذي حدث مع الإمبراطورية العثمانية، في إسقاطات سيئة لا تخطئها العين، وفي أوقات تستعر فيها نيران الإسلاموفوبيا من جديد عالمياً، ما يعني أن رحلة شاهين الطويلة في حاجة إلى من يكملها.
صورة العرب في أميركا تدفع الذات العربية إلى لحظة مكاشفة ومصارحة بشأن التقصير في دعم جماعة الأميركيين العرب الذين شكلوا حائط صد ضد تشويه الصورة في أميركا، من أمثلة شاهين، وإدوارد سعيد، والأخير بدوره كم من مرة شدد على أن استراتيجيات اليمين الأميركي المتطرف تسعى لتحقيق الطموحات الإمبريالية الغربية عبر تصوير المواجهات في الشرق الأوسط ومع العرب والمسلمين، باعتبارها صراع حضارات.
الصراع على اللبن المسكوب لا يفيد، غير أن رحيل شاهين يدعونا، عرباً ومسلمين، للتفكير الجدي في البدائل الحضارية لمواجهة ما هو أبعد وأخطر من الإسلاموفوبيا.
حتى الساعة ومن أسف تبقى ردات الفعل العربية هي الأصل والمبادرات الأصلية الاستثناء، والسؤال أين هي دائرة حوار الحضارات في جامعة الدول العربية التي أنشئت بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الشهيرة؟
لا أظن أحداً يمتلك جواباً شافياً وافياً، وربما غلفها النسيان، قبل أن يذكرنا رحيل جاك شاهين بمخاطر صورتنا المغلوطة في عيون الأميركيين.
الخلاصة... إن لم تسارع إلى رسم صورتك في أميركا كما تحب وتريد فهناك من يتطوع لأن يرسم لك صورته كما يهوي ويبغي، وبما يخدم أهدافه وحضوره، لا مصالحك واستراتيجياتك، وتلك هي الكارثة لا الحادثة.