إميل أمين
كاتب مصري
TT

القادة الدينيون... معاً ضد العنف والكراهية

يبقى العنف والتحريض عليه القضية رقم واحد التي تعترض حياة البشر في حاضرات أيامنا، ومن خلالهما يتوالد الإرهاب، ويفقد العالم أمنه وأمانه.
هنا لم يكن لأصحاب النوايا السليمة والطوايا الصالحة أن يقفوا عاقدين الأذرع على الصدور أمام هذا المشهد، ولهذا كان يوم الجمعة 14 يوليو (تموز) المنصرم موعداً لانطلاق خطة عمل عالمية لتفعيل دور المؤسسات والقيادات الدينية لمنع التحريض على العنف الدموي المؤدي إلى ارتكاب جرائم وحشية.
عمل مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات «كايسيد»، الدور الرئيسي في جمع مؤسسات الأمم المتحدة، وبقية الجماعات الأهلية والمجتمعية الفاعلة في هذا المجال ولهذا جاء اللقاء الأممي لتجمع فيه «كايسيد» مجلس الكنائس العالمي، والشبكة العالمية للأديان وصانعى السلام، وتحت غطاء وحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
يبقى «خطاب الكراهية» هو المرد الأول لانتشار العنف في المجتمعات، وعادة ما يجد هذا الخطاب رواجاً له بين بعض القادة الدينيين غير الصادقين، وصولاً إلى من يتعلقون بأهداب الأديان، ويتلمسونها ستراً يتخفون وراءها، إما عبر وسائل الإعلام أو من خلال المنابر الدينية، على اختلاف الأديان سواء كانت إلهية، أو عند أصحاب الشرائع الوضعية.
والثابت أن كارثة خطاب الكراهية، سيما إذا حل على لسان قادة الدين، يضحى بالضرورة مقدمة للعنف الذي يضرب التجمعات البشرية على أساس الهوية الدينية أو العرقية، وفى الوقت ذاته فإن الترفع عن هذا الخطاب سيئ السمعة، والاستعاضة عنه بخطاب التسامح، يخلق مجتمعات جديدة متصالحة مع أنفسها.
ساند مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات جهود الأمين العام للأمم المتحدة بشكل شاف وواف ليخرج هذا اللقاء، وتلك المبادرة إلى النور، بعد جهود نحو عامين بدأت في مدينة فاس في المغرب في إبريل (نيسان) من عام 2015، وعبر لقاءات واجتماعات في أميركا وآسيا وأوروبا والشرق والأوسط.
في كلمته خلال اللقاء أشار السيد فيصل بن معمر الأمين العام للمركز إلى النقاشات التي جرت في الاجتماعات الماضية، ومؤكداً أن المؤسسات الدينية والأفراد المسؤولين عن التوجيه الديني وإن كانت المسؤولية تقع عليهم بالدرجة الأولى، إلا أنه من المستحيل أن يقوموا لوحدهم على منع التحريض ومكافحة العنف؛ ذلك أنهم في حاجة إلى تعاون الإعلام وإتاحة الفرصة للإعلاميين والمفكرين وكافة طغمات المثقفين، لمساندة صناع القرار السياسي والأنظمة القانونية.
تقف «كايسيد» اليوم، التي تدعمها المملكة العربية السعودية عامة، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بنوع خاص وقد أشار إليها بالبنان في زيارته الأخيرة لإندونيسيا كشعلة ضوء إيماني وأخلاقي وسط عالم يموج بالعنف، وفي أوساط من المتطرفين الذين يقومون بتوظيف الدين من أجل تبرير العنف وتقديسه، وتوليد التمييز بين الجماعات العرقية، كما بين الإثنيات الثقافية واللغوية المختلفة، ما يقود في نهاية المشهد إلى المذابح تلك التي شهدناها في العقود القليلة الماضية.
يحمد لـ»كايسيد» حملها العالم إلى الأمم المتحدة ووضعه أمام حقائق الأمور وطبائع الأشياء، سيما أن بناء المركز العضوي يشمل المملكة العربية السعودية وإسبانيا والنمسا والفاتيكان كمراقب، ويضم مجلس إدارة المركز ممثلين عن خمسة أديان سائدة في العالم وهي الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية، ما يعني أن قادة الأديان حاضرون على طاولة نقاش المركز لخير الإنسان والإنسانية صباح مساء كل يوم.
في هذا السياق يضحى طبيعياً إشادة الأمين العام للأمم المتحدة بالدور الذى تقوم به «كايسيد»، باعتبار أن جميع الأديان في جوهرها تدعو إلى احترام الحياة والنظر للبشرية بمساواة.
يؤمن القائمون على «كايسيد» بأننا لن ننجح في بناء المشاركة وتضميد الجراح بامتناعنا عن استخدام الكلمات الكريهة، ولكن باستخدام العبارات التي تخلق المشاركة، التي تستقبل الغريب، وتقرب المسافات، ولهذا كما أشار السيد بن معمر فإن مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار أنشأ منصات حوارية للمؤسسات والقيادات الدينية للمساهمة في دعم مصالحات السلام والتعايش بين الجماعات الدينية، كما أن المركز يقوم بتدريب نشطاء للمساهمة في مكافحة الكراهية والعنف عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وعما قريب سوف يعلن عن إقامة منصة حوارية هي الأولى من نوعها في العالم العربي بين المسلمين والمسيحيين.
المشروعات المتقدمة شمعة محبة وسط ظلام الكراهيات، الراديكاليات والعلمانيات الجافة المسطحة، إذ تعيد للمقدس قدسيته، وتمنع العنف الديني من أن يشكل ومن جديد صورة لوحة إنسانية دامية مخيفة تتدفق فيها دماء البشر على مذبح إنساني ملطخ بحياة الأبرياء.
وعوضاً عن ذلك ترسخ التعايش وبناء السلام وتعزز المواطنة المشتركة بما يحقق الأمن والاستقرار لمختلف الأمم والشعوب في العالم.
تبقى كلمة أخيرة قبل الانصراف، وهي أن جهود المملكة العربية السعودية واضحة كما الشمس في ضحاها في رعاية المبادرات التصالحية والتسامحية للوقوف في وجه الشر الأدبي والأخلاقي، والعنف المادي والمعنوى عبر رعاية «كايسيد» وأخواتها مثل المركز العالمي لمكافحة التطرف (اعتدال)، ومركز الملك سلمان العالمى للسلام، ومركز الحرب الفكرية، ومركز مكافحة الإرهاب، وجميعها جهود محمودة من المجتمع الدولي لمكافحة التطرف والإرهاب وتجفيف منابعه.



عاجل فيتو أميركي ضدّ عضوية فلسطين في الأمم المتحدة