مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

شمس الفضيحة الحارقة

هل تعلمون من هم أبناء وبنات الحرام؟! إنهم بالقطع ليسوا الأطفال (اللقطاء)، ولكنّ أبناء وبنات الحرام الحقيقيين هم الذين أنجبوهم ثم رموهم في ليل مظلم عند أبواب المساجد أو في حاويات الزبالة.
ورغم أن وسائل منع الحمل منتشرة في كل الصيدليات، فإنه ثبت إحصائياً أن الدول الإسلامية - مع الأسف - هي أكثر دول العالم في انتشار هذه الظاهرة التي لا يندى لها الجبين فقط، ولكنها مروّعة بكل المقاييس.
فأين هؤلاء الآباء والأمهات من تعاليم دينهم، ولا أقول ضمائرهم؟
والذي أثار حزني وفجيعتي هو ما قرأته عن برنامج مسابقات تلفزيوني باكستاني، كان يُذاع على مدار أيام شهر رمضان، وتصوروا أو خمنوا ما هي الجوائز التي تُمنَح للمتسابقين؟!
إنهم يمنحون كل فائز طفلاً رضيعاً لقيطاً، إلى جانب جوائز أخرى ثانوية من أجهزة (اللابتوب) والدراجات والأجهزة الكهربائية.
وظهر مقدم البرنامج في آخر حلقة وهو يحمل بين يديه طفلة حديثة الولادة، ويقدمها جائزة للفائز وسط تصفيق وهتاف الحضور، معلناً أنه تم العثور عليها في الليلة السابقة في صندوق زبالة في أحد شوارع كراتشي.
المفارقة أن ذلك المتسابق الفائز رفض الجائزة (الطفلة)، مفضلاً عليها الحصول على (اللابتوب)، وانطبق المثل القائل: (رضينا بالهم والهم ما رضا بينا).
وأطلق البرنامج هذه المبادرة التي لاقت ردود فعل متباينة ما بين مؤيد ومندد بين شرائح المجتمع المختلفة، وذلك على سبيل الترويج لدعوة التصدي ومنع إلقاء الأطفال في الشوارع.
والواقع أن هذه الظاهرة الإجرامية ليست منتشرة في باكستان فقط، ولكنها، كما ذكرت سابقاً، منتشرة في أغلب البلدان.
أعرف أن هذا الموضوع مفجع بقدر ما هو مقرف، وكنت أتمنى لو أنني لم أتطرق إليه نهائياً، ويعلم الله أن نومي في الليلة البارحة كان كله ممتلئاً بالكوابيس، بعد أن قرأت ذلك الخبر وتلك الإحصائيات المخجلة.
وأنتم تعلمون أن شغفي دائماً أن أكتب عن كل ما هو مفرح ويبعث على السعادة والأمل، ولكن ما باليد حيلة، فمصائب الدنيا تلوي أعناقنا رغماً عن أنوفنا أحياناً، ولا نستطيع مهما أوتينا من تبريرات أن نغطي بأيدينا شمس الفضيحة الحارقة.
وقد حاولت فعلاً أن أتجاوز هذا الموضوع وأبلعه، غير أنه نشب بحلقي، واضطررت إلى أن (ألفظه) أمامكم على الورق.
لا أريد أن أكبر هذه المسألة وأجعل منها قضية، ولكنني في الوقت ذاته لا أستطيع أن أكون أبكم وأعمى وأصم.
لهذا أطلب منكم (السموحة)، متمنياً أن تكون أحلامكم كلها ممتلئة بالزهور والفراشات الملونة.