خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

كيف يسود الاستبداد ويحكم؟

يروي العراقيون حكايات طريفة وعجيبة عن أساليب صدام حسين في السيطرة على شعبه وأعوانه. لا أريد أن أخوض في تلك الحكايات والرجل في مثواه الأخير. الأفضل أن أستورد شيئاً من ذلك من ديار الغرب، أو بالأحرى ديار السوفيات في أيام جوزيف ستالين، الرفيق صاحب الشنب الكثيف.
قيل، والعهدة على القائل، أي أنا، إن ستالين قام بالتصفية التي أجراها في الخمسينات، ثم نادى على الرفيق بيريا، المسؤول عن أجهزة الأمن، أو بالأحرى، فلنسمها باسمها الصحيح، أجهزة القمع. وطلب منه أن يعتقل امرأة معينة، وينكل بها، ثم ينفيها إلى أبعد الأماكن المقفرة من سيبيريا. وكانت السيدة زوجة أحد قادة الحزب الشيوعي المرموقين. بالطبع، لم يجادل مدير المخابرات سيده، بل بادر فوراً إلى تنفيذ القرار المطلوب. ولكن خطر له بعد أيام أن يستزيد علماً من سيده، فانتهز فرصة مواتية وسأله: «أيها الرفيق، لقد أمرتني بنفي فلانة زوجة فلان إلى أفظع مكان من الاتحاد السوفياتي. ولكن حسب معلوماتي الاستخباراتية عنها وعن زوجها، أنهما من أشد المتحمسين في تأييدك، والمخلصين للاتحاد السوفياتي، فلماذا أمرتني بنفيها هكذا؟».
أجابه ستالين قائلاً: «أريد أن أجرب مدى ولاء زوجها؛ هل سيتقدم ويعترض ويتوسط لإطلاق سراحها؟».
ويظهر أن صدام حسين وحافظ الأسد، ومن لف لفهما، قد تعلموا ذلك من «عمو» ستالين، في اختبار ولاء أصحابهم قبل أعدائهم.
يتعجب الكثيرون من سر الولاء والخضوع للشخصية الذي تبديه الشعوب المستعبدة والجائعة نحو حاكمها المستبد. خذوا مثالاً لذلك في كوريا الشمالية: شعبها يعاني من الحرمان والجوع، ولا يتمتع بأي حق من حقوق الإنسان، ومع ذلك يخرجون في مواكب ومظاهرات تهتف بالقائد البطل رئيس الجمهورية. هكذا جرى. لقد تمتع بمثل ذلك جوزيف ستالين من الولاء والطاعة، رغم كل معاناة الشعب. ربما نجد أن الشعوب أيضاً تبتلى أحياناً بالماسوشية وجلد الذات، مثلما يبتلى بعض الحكام بالسادية وتعذيب شعوبهم.
روى الرواة، فقالوا إنه خطر لأحد المخلصين المقربين أن يسأل سيده ستالين كيف يجعل الشعب يتبعه في كل ما يريد رغم كل شيء؟ ضحك ستالين ضحكته التقليدية التهكمية، ثم قال للرجل: ائتني بدجاجة.
ذهب الرجل وجاءه بدجاجة. وضعها ستالين في حضنه، وراح ينتف ريشها. وبعد أن أطار بآخر ريشة منها، أطلق سراحها وتركها تجري على أرضية الغرفة عريانة من أي ريش، ثم وقف وراح يتمشى أمام مكتبه، وحيثما سار سارت الدجاجة تسعى وراءه. فالتفت إلى صاحبه، وأطلق ضحكة تهكمية أخرى، وقال له بكل اختصار: «أرأيت...؟ هكذا».