سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

التقارب الإيراني ـ القطري وتأجيح الإرهاب

طرح سؤال في البحرين بعد أن ألقت السلطات الأمنية في المنامة الأسبوع الماضي القبض على أعضاء مؤسسة بحرينية تعمل تحت شعار حقوقي هي «مرصد المنامة لحقوق الإنسان»، هل للتقارب الإيراني - القطري أثر سلبي على أمن البحرين واستقرارها؟ وهل هذا التقارب جديد حدث كردة فعل على قرار المقاطعة؟ أم أنه تقارب وتفاهم قديم كان سرياً وأصبح علنياً في الآونة الأخيرة؟
فهذه المؤسسة البحرينية التي أعلن عن إلقاء القبض على أعضائها عقدت الندوات وورش العمل في لبنان وفي جنيف بغرض استصدار بيانات الإدانة التي تحاول تقييد عمل رجال الأمن في البحرين ومساعدة التنظيمات الإرهابية بالنجاة من قبضة القانون، وأثبتت التحريات أنها تلقت الدعم المادي عن طريق أحد الأشخاص (بحريني الجنسية) الذي يعمل لصالح «حزب الله» ويقيم في لبنان، كما تبين أن «حزب الله» اللبناني يقوم بتمويل ودعم كثير من الأشخاص الذين ينتمون إلى عدد من المنظمات الحقوقية المزعومة لا هذه المنظمة فحسب، من خلال عقد مؤتمرات دولية تضم أعضاء منظمات حقوقية دولية.
كما أثبتت التحريات تورط إحدى المتهمات التي تتخفى خلف العمل الحقوقي في هذه المؤسسة بالتواصل والتعاون مع مؤسسة «الكرامة» القطرية لحقوق الإنسان التي سبق إدراج رئيسها على قوائم الإرهاب بالبيان الصادر عن الدول المقاطعة لدولة قطر، والذي سبق أن أدرجته أيضاً وزارة الخزانة الأميركية كأحد العناصر الإرهابية وقامت بتجميد ممتلكاته وأمواله عام 2013 لعلاقته مع تنظيم القاعدة الإرهابي، ودلت التحريات على أن المذكور تمكن من استغلال تلك المؤسسة القطرية تحت الغطاء الحقوقي لدعم كثير من المنظمات الإرهابية، ومنها البحرينية!!
السؤال ما هذه الدائرة المغلقة التي جمعت بين دعمين مختلفين أحدهما إيراني والآخر قطري للمؤسسة البحرينية ذاتها؟! ما «المصلحة المشتركة» التي جمعت منظمة إرهابية مدعومة إيرانياً ومنظمة قطرية داعمة لـ«القاعدة» مع مؤسسة بحرينية؟!
الملاحظ أن التحريات أثبتت أن التواصل بين هذه الأطراف الثلاثة ما زال مستمراً حتى لحظة إلقاء القبض على أعضاء الخلية الأسبوع الماضي، أي بعد قرار المقاطعة من التحالف الرباعي. وبعد إنكار قطر أن ليست لها علاقة بأي تنظيمات إرهابية، أثبتت تلك الخلية أن قطر وإيران تشتركان في محاولات الإضرار بالبحرين، وأثبتت هذه الخلية أن المشتركات بين إيران وقطر وبين «القاعدة» و«حزب الله» كثيرة ونقاط التقائهم كثيرة، وأهمها «الملف البحريني».
وليست البحرين فقط التي يجتمع فيها النشاطان القطري والإيراني لتقويض الأمن وفي إذكاء مناطق الصراع، بل يجتمعان كذلك في الملف اليمني؛ إذ أثبت تقرير الخارجية الأميركية أن إيران ما زالت تدعم الحوثيين في اليمن من جهة بالسلاح، وأثبتت في الوقت ذاته أن قطر من جهة أخرى تدعم تنظيم «القاعدة» هناك، وكلاهما يحارب الشرعية.
ففي ديسمبر (كانون الأول) 2013، قدمت وزارة الخزانة الأميركية تقريراً مفاده أن منظمة «كرامة» قدمت دعماً مالياً لتنظيمات إرهابية تابعة لـ«القاعدة» في اليمن وسوريا والعراق، مما يجعلها في الواقع مجرد جسر لنقل الأموال القطرية إلى تلك الجماعات.
كما نشرت مؤسسة دعم الديمقراطية الأميركية تقريراً بعنوان «قطر ودعمها المالي للإرهاب»، أكدت فيه أنه بالإضافة إلى دعم قطر للمنظمات الخيرية مالياً حتى الآن على الرغم من إيقافها وعدم حصولها على رخصة لاستئناف عملها، فإنها مستمرة في عملها دون توقف، وأثبت تقرير الخارجية الأميركية أن تلك المنظمات خارج نطاق الرقابة القطرية والدولية، فهناك منظمة تعرف بمنظمة «قطر الخيرية» متهمة أيضاً بتقديم الدعم المالي للإرهاب في سوريا واليمن.
وبحسب التقرير نفسه، «قدمت مؤسسة قطر الخيرية مساعدات مالية للجماعات الإرهابية في اليمن تحت ستار إنشاء مشاريع وأنشطة خيرية، لن تحتاج إلا قليلاً من التأمل في الأسماء والجهات والانتماءات لتعرف حقيقة الطريق التي تسير فيها هذه التبرعات»، انتهى التقرير.
أما الملف السوري فهو الأكثر انتفاخاً ويجمع بيانات النشاط الإيراني - القطري في المنطقة ذاتها التي يتأجج فيها الصراع. فلا يخفى على أحد الدعم الذي تقدمه إيران لنظام الأسد ولحزب الله ولبقية الميليشيات المسلحة الشيعية من جهة، وفي الوقت ذاته لا يخفى على أحد الدعم الذي تقدمه قطر لكثير من التنظيمات المسلحة السنية العاملة في سوريا كجبهة النصرة وغيرها، تحت شعار المساعدات الإنسانية تارة والدعم السياسي المباشرة لها تارة أخرى.
أما الملف الأكثر إثارة الذي يجمع الاثنين بتقارب إيراني - قطري فهو ملف تقويض السلطة الفلسطينية عن طريق دعم «حماس» كمنافس لها.
يتضح لنا أن التقارب القطري - الإيراني تقارب قديم في أهداف مشتركة واحدة، مصلحة واحدة هي «تقويض الأمن في المنطقة» عن طريق دعم التنظيمات المسلحة ودعم من يساندها لوجيستياً بغطاء أعمال خيرية أو بغطاء نشاط حقوقي.
فإن كان المجتمع الدولي جاداً في مكافحة الإرهاب، وإن كان المجتمع الدولي جاداً في تضييق الخناق على إيران «كداعم أساسي للإرهاب»، فإنه لن ينجح ما لم يتم تشديد الرقابة على قطر كذلك، فالاثنان يعملان معًا على تأجيج الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ولهذا فإن التقارب الإيراني - القطري أحد الأوجه الجديرة بالمراقبة والرصد.