مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

خطبة «تميم» البتراء

في الأدب العربي؛ التليد منه والجديد، خطب شهيرة صارت من غرر الكلام، ومعاقد البلاغة، ومخازن الذاكرة، ومغارف التمثّل. بصرف النظر عن هدف هذه الخطبة أو تلك، وغايتها السياسية، حسنة كانت أم سيئة، وبكل حال، فالحسن والقبح، كما قال أهل الكلام الأول، مسألة تتعارك فيها الأنظار.
لدينا الخطبة البتراء، والخطبة الشوهاء، وخطبة الحجاج «أنا ابن جلا وطلاع الثنايا»، والخطبة الشقشقية، والخطبة التطنجية، والأخيرتان منسوبتان للخليفة الرابع علي بن أبي طالب، أو أمير المؤمنين ويعسوب البلغاء، كما في الأدبيات الشيعية.
وفي الجديد لدينا خطب سياسية عربية شهيرة، ليس بسبب بلاغتها الناصعة ربما بل لأثرها البليغ، ومرة ثانية، حسناً كان هذا الأثر أم سيئاً.
آخر خطبة تستحق النظر، هي خطبة أمير قطر، الشيخ تميم آل ثاني، التي امتدت على مدى 17 دقيقة وبضع ثوانٍ.
لا ندري كيف تلقب هذه الخطبة على غرار الخطب؛ الغابر منها والحاضر، غير أن حديث الصدق يقتضي القول إنه فيما عبأ به جراب الكلام لم يبتكر جديداً، ولم يقل فريداً.
محتوى الخطبة ألفته الأذن العربية حالياً، وكأنك تسمع خطيباً من خطباء «الإخوان» اللسن، ولا غرو، فمرشد الجماعة الأول، حسن البنّا، كان موصوفاً بذلاقة اللسان وقوة البيان وفنون الخطابة.
كلام الشيخ تميم، المكتوب بعناية، ليس إلا مرافعة من مرافعات قناة «الجزيرة» وضيوفها من أنصار «محور الممانعة» بنسخته الجديدة.
لم يكن الخطيب صائباً حين تحدث عن «مظلومية» قطرية، فقط لأن قطر تناصر الحق - حق من؟! - وتنحاز للشعوب العربية، لولا «مؤامرات» الآخرين ضدها. وتفسير الكلام هنا: كنا نريد إسقاط الدول العربية وتمكين «الإخوان»، لكن منعنا من ذلك رفض مصر والسعودية والإمارات وبقية «الشعوب» العربية!
الحق أقول لكم إن أكثر فقرة سيئة في خطبة تميم، كانت الإشارة الأخيرة حول نصرة القدس والمسجد الأقصى، بعد محنتها الأخيرة، ثم محاولة الرجل «توظيف» هذه القصة الحساسة في مسألة أخرى، هي الحق السيادي للدول العربية في منع قطر من العبث بالأمن والسلم.
ما علاقة هذا بذاك؟!
كأنه، ومن خلفه جمهور غادر العدل وعانق الحيف في الخصومة، رهن خلاص القدس بالكفّ عن قطر؟! «ما لكم كيف تحكمون»؟!
هذه السجيّة في اعتصار الورقة الفلسطينية مضجرة ومدمرة «للقضية» قبل أي شيء آخر، وفعلها من قبل الخميني، وما زال تلاميذه يفعلون، كنصر الله، وفعلها من قبل كل متلاعب بمشاعر الناس، من بعثيين وقوميين ويساريين، و«إخوان» طبعاً.
خطبة الأمير ستضاف لأرشيف الخطب العربية البتراء.