خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

حكمة نقولها جميعاً

«دفع الله ما كان أعظم» من الأقوال التي ترددها شعوب كثيرة، فهو قول تفرضه وقائع الحياة باستمرار. ولا شك أنه يعبر عن نفس متفائلة، مهما تصيبها من كوارث تشكر الله وتفوض أمرها للباري عز وجل. وكما قلت إنه قول سائر بين كل الأمم، فمثلاً نسمع الإنجليز يقولون «الحمد لله. كان ممكن يكون أسوأ» Thank God، it could have been worse والفرنسيون يصوغون القول نفسه بهذه الكلمات: (ca aurai pu etre pire).
وحكاية القول الفرنسي هي أن رجلاً عاد إلى بيته فجأة وشعر بوجود رجل مع زوجته. فهب للانتقام منهما، لكن الرجل قفز من النافذة وهرب. وبقيت الزوجة، أم أولاده، فقتلها. فجاء ابنها لينتقم لها من أبيه فقتل الوالد وبارح البيت هائماً على وجهه. جلس في المقهى حيث التقى برجل آخر بعد دقائق. راح ينفس عن همومه وما أصابه من مصاب. فأجابه جليسه قائلاً: «سا أوري بو آتر بير». فقال له الشاب: وكيف يمكن أن تكون أسوأ؟ فأجابه الرجل: «لو أن والدك دخل البيت قبل ذلك بثوانٍ قليلة لحظي بي ولم أستطع الهرب من النافذة»!
هذه طبعاً حكاية المثل الفرنسي، وهو ما لا يحدث عندنا. تسير حكاية المثل لدينا بشكل آخر. صادف أحد الفلاحين موسماً جيداً فعنّ له أن يكرم الوالي بشيء منه. وكأن الوالي كان هو المسؤول عن الغلة الوفيرة وجودة الموسم. لكنه كان على خلاف بقية الولاة والياً صالحاً فأمر بإكرام الفلاح بهدية من بيت المال.
عاد الفلاح لقريته وأطلعهم على الهدية. سمع بذلك فلاح آخر وكان طماعاً فقرر أن يقوم بمثل ذلك؛ أملاً في نيل هدية مشابهة من الوالي. حكى ذلك لزوجته فأشارت عليه أن يملأ كيساً من اللفت ويأخذه للوالي. ولكن هذا الفلاح لم يكن طماعاً فقط، بل كان ذكياً واعياً فلم يستمع لنصيحة زوجته، بل قرر أن يأخذ قفصاً من البرتقال.
ذهب ودخل مجلس الوالي وقدم قفص البرتقال له فأدرك سر طمعه فأمر الحاجب بأن يحلق رأس الفلاح ثم يضرب رأسه بالبرتقال واحدة واحدة حتى يفرغ القفص.
فعل الحاجب ذلك به والوالي والحاضرون غارقون بالضحك بينما كان الفلاح يردد «دفع الله ما كان أعظم».
سمع الوالي هذه الكلمات منه فأوقف الضرب بالبرتقال، وسأله لماذا كان يقول ذلك؟ فأجابه: يا حضرة الوالي إن زوجتي نصحتني بأن أجيئك بكيس من اللفت، لكنني لم أطعها، بل آثرت بأن أهديك قفصاً من البرتقال.
فضحك الوالي ثانية وعفا عنه، ثم أمر الحاجب بتقديم هدية مناسبة لهذا الفلاح. وذهبت كلماته مثلاً بين الناس.