مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

معايد القريتين

انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، مقطع فيديو لرئيس الحكومة السابق وزعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي (عبد الإله ابن كيران) وهو يغني لأم كلثوم خلال جلسة له مع الأصدقاء.
وردد ابن كيران الذي كان يرتدي اللباس التقليدي المغربي مقطعاً من الأغنية الشهيرة «القلب يعشق كل جميل»، ولقي صوته استحسان العديد من الناشطين.
ولقد استمعت أنا إلى ذلك المقطع، وأداؤه مقبول إلى حد ما. صحيح أن صوته به شيء من «الحشرجة»، غير أن هذا لا ينقص منه شيئاً طالما أنه كان صادقاً مع نفسه.
والأغنية هذه بالذات، وكما هو معروف، فهي من أولها إلى آخرها مديح في الرسول - عليه أفضل الصلاة والسلام.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فهم يتحدثون عن رجل تركي يعمل منذ عامين مؤذناً وإمام مسجد بالنهار حتى صلاة العشاء، أما بقية الليل فهو فيها نجم «روك» وقائد فرقة.
واسم ذلك الرجل هو «أحمدت توزر»، ويقيم في وسط منطقة الأناضول، وفيها يعلو صوته كل نهار من مسجد يؤم فيه الصلاة بأكثر من 50 مصلياً، ويتضاعف عددهم في صلاة الجمعة.
وهو قائد فرقة سماها «Firock» حين أسسها لتؤدي «روك إسلامياً»، على حد قوله، فحاول مزج بعض المدائح والأشعار الإسلامية بإيقاع الغناء الغربي، وسبق له أن حصل على جوائز عدة في مسابقات التلاوة القرآنية.
ومثلما يزعم، فقد تلقى عروضاً من الجالية الإسلامية في أميركا لإحياء حفلات هناك.
وبغض النظر إذا كان هناك خلاف بين الفقهاء حول إباحة الغناء أو تحريمه، وهو خلاف قديم وشهير، والقاعدة أنه متى ما وقع الخلاف امتنع الإنكار.
وفي ظني، أن الغناء حسنه حسن مباح ومقبول، وقبيحه مستنكر مرفوض.
وأعود إلى ذلك الرجل الذي أراد أن يجمع بكل غباء الماء والنار في إناء واحد، فعكر الماء وأطفأ النار، وأصبح مثل «معايد القريتين».
فطريقته وأسلوبه هي ممجوجة وغير مستساغة مهما حاول تبريرها.
وإذا كان الغناء يلعب برأسه وكيانه وكل جوارحه إلى هذه الدرجة، فليترك إمامة المسجد مشكوراً لمن هو أصدق وأبرك منه، وليذهب هو إلى حيث يشاء، حتى لو ذهب إن شاء الله إلى بلاد «الواق واق».
أما إذا أراد أن يبقى إماماً فعليه أن يحترم هذا المركز الشرفي، ويترك التخبط والعبث.
يعني إلى هذه الدرجة هناك أزمة في عدد المغنين ليأتي السيد «أحمدت توزر» ليسد هذا النقص؟!، هزلت فعدد المغنين في هذه الأيام هو «أكثر من الهم على القلب».