سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

عوَّام سيبيريا

عام 1904 نشرت صحيفة «جيانغسو» الصينية الصادرة في طوكيو، قصة قصيرة تصف أديباً صينياً يدعى هوانغ شيبساوي يقوم بجولة مع عجوز أسطوري في شوارع شانغهاي، عندما يشاهدان جماعة من الناس يقودها رجل أبيض:
«تأمل شيبساوي عن كثب هؤلاء الناس. وكانوا يعتمرون قطعة من القماش الأحمر يلفّونها حول رؤوسهم مثل قبعة طويلة، وحول خصورهم حزام تتدلى منه عصا خشبية، ووجوههم سوداء كالفحم الحجري. وسأل شيبساوي الرجل العجوز: من يكون هؤلاء الهنود؟ فأجاب أن الإنجليز يستخدمونهم كرجال شرطة... فقال شيبساوي: لماذا لا يعينون هندياً قائداً للشرطة؟ فأجاب العجوز: من يمكن أن يخطر له ذلك؟ إن الهنود شعبُ بلدٍ ضائع».
تذكرتُ هذه الحكاية وأنا أشاهد صور الشرطة العسكرية الروسية تقيم الحواجز على طرقات سوريا. بعد كل ما حدث، لم يعد مهماً على الإطلاق من ينهي المحنة السورية، ولا لون القبعة الحمراء، فهو، في أي حال، لون جميع القبعات التي تريد إنزال الخوف في الآخرين.
الأهم، شعب «البلد الضائع» الذي بدأ على ما يبدو لملمة أطرافه المشتعلة ما بين المناطق «المنخفضة التصعيد» والمناطق المقبلة على مزيد منه، وربما مما هو أسوأ من كل ما حدث حتى الآن.
وفي قلب الصورة يبدو رجل أبيض، أو بالأحرى شديد البياض، وقد أرسل بوتين صورته عاري الصدر، سابحاً في جليد سيبيريا يصطاد السمك بيديه. وكالة الأنباء الصينية «شينوا»، كانت توزع كل عام صورة التشرمان ماو يعبر نهر يانغ زي.
«الرجل الأبيض» هنا هو قائد الشرطة، كما كانت الحال في الهند. وهو الذي يوزع التصعيد والتخفيض والأدوار، ومن بينها الدور الأميركي الذي بدأه أوباما في الخفاء ولم يحدد لترمب حجمه حتى الآن.
لكن لا شك في أن «المايسترو» هو عوّام سيبيريا. وأحد أهم المظاهر مؤخراً، أفول «جبهة النصرة» من لبنان إلى العمق السوري، ومعها انكفاء دور قطر من سوريا إلى ليبيا، حيث لم تكتف الدوحة بالدور المادي، بل أرسلت طائراتها تقاتل في بلد مساحته نصف أوروبا الغربية، كما كان يقول صادق النيهوم.
وفيما أوكلت الأمم المتحدة إلى ليبيا واحداً من أبرع الدبلوماسيين الدوليين، غسان سلامة، لم تسلّم المشكلة السورية إلى الأمم المتحدة إلا من حيث الشكل: إنها فضاء الروس، منذ البداية؛ إما بالتفاهم أو بالتضامن أو بالتراضي. خرج الدور القطري، وتبدل الدور التركي، وتغير الدور الأوروبي، وليس واضحاً بعد ما هو الحجم الذي ستبقيه موسكو للدور الإيراني، أو في أي جهة من سوريا. وعلى ما يقول الذين لا جواب يملكون؛ فلننتظر الأيام الآتية.