مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

يا ليتنا من حجنا سالمين

نشرت (دار دالكي أرشيف) الأميركية للنشر إعلاناً تطلب فيه موظفاً للعمل لديها من دون راتب، على أن تكون ساعات العمل ليلية وفي العطلة الأسبوعية والإجازات الرسمية، ويمكن للموظف إجراء بعض المكالمات الشخصية واستخدام الإنترنت خلال ساعات العمل، وورد في الإعلان أنه يشترط تفرغ المتقدم للوظيفة، بحيث لا يكون لديه أي التزامات شخصية أو مهنية تؤثر على عمله.
وذكر مراقبو مدينة نيويورك، أن هذه الوظيفة تعد من أسوأ الوظائف التي أعلن عنها من حيث متطلبات العمل، فضلاً عن عدم تقاضي الشخص مرتباً مقابل عمله - انتهى.
ولا أدري هل هذه هي أسوأ الوظائف، أم الوظيفة التي سوف أوردها لكم حسب ما جاء في موقع (ويرد أيشا نيوز) الإخباري من أن أختين هنديتين تعملان مقابل وجبة غذاء يومية وراتب سنوي مقداره (3) دولارات فقط.
ووفقاً للموقع نفسه فإن الأختين (أكو جيجار وليلا جيجار) تعملان لدى شركة هندية خاصة من الساعة السادسة صباحاً إلى الساعة الواحدة ظهراً في مجال تسليك المراحيض.
وحسب كلام الأختين فإنهما استمرتا في العمل سوياً بهذا الراتب الذي وصف بأنه الأقل في العالم دون شكوى، على أمل زيادته إلى خمسة دولارات في الشهر، إلا أن هذه الزيادة لم تأتِ منذ (40) عاماً - انتهى.
والذي أثار حفيظتي هو مشاهدتي لتلك الأختين القنوعتين، وهما تتحدثان عن عملهما وأجرهما بكل سعادة، وكانتا طوال كلامهما تبتسمان وتهزان رأسيهما على الطريقة الهندية المعروفة (!!).
***
حدثني أحد الإخوة الخليجيين متحسراً بأن (الابتسامة) عندنا ليست لها الأهمية التي تستحقها، بل إنها قد تفسر تفسيراً مغلوطاً ومتجنياً، فقلت له: كيف، نورني الله ينور عليك؟!
أجابني: مثلاً قد تبتسم أنت لأخيك، فيقول لك: وش تبي؟!، أو تبتسم لأمك، فتقول لك: وش مسوي؟!، أو تبتسم لأبيك، فيقول لك: ما فيه فلوس، أو تبتسم لغريب، فينظر لك بازدراء قائلاً: تعرفني؟!، أو تبتسم لواحدة بكل براءة، فيتهمونك بقضية تحرش، أو تبتسم في مجلس عام، فيتهامسون قائلين: أكيد ما هو صاحي، أو تبتسم لمسؤول، فيقول: هل لك مصلحة؟!، وإذا غلب أمرك وتبسمت لنفسك، قالوا: (100 في المائة) موسوس.
ثم صمت فجأة وأكمل كلامه قائلاً: مع الأسف نحن شعب ما تنفع معهم الابتسامة إلا إذا كنت ميتاً، ساعتها يقولون: ما شاء الله، مات وهو مبتسم.
عندها قلت له: إذن لو سمحت أتحفني بابتسامتك، وما صدق على الله أنني طلبت منه ذلك، حتى فرشخ لي بأسنانه الصفراء المتراكبة فوق بعضها البعض التي نخرها السوس.
فأدرت وجهي وأنا أردد بيني وبين نفسي قائلاً: (يا حفيظ، يا ليتنا من حجنا سالمين).