ليونيد بيرشيدسكي
TT

ميركل تفوز بالمستشارية بالغياب!

لا تشبه انتخابات سبتمبر (أيلول) الألمانية المقبلة أي انتخابات شهدتها أي دول غربية أخرى خلال العامين الماضيين. مع خروج المرشحة الرئيسية، المستشارة أنجيلا ميركل، إلى إجازة تمتد لثلاثة أسابيع، فإن منافسها الأول، المرشح الديمقراطي الاجتماعي مارتن شولتز، يعمل بكل جد واجتهاد على الحملة الانتخابية - غير أن ذلك لم يسفر إلا عن مزيد من المتاعب للرجل. فلقد خسر حزبه الأغلبية مرة أخرى في إحدى الولايات الألمانية الكبرى، كما تم الكشف عن أن الوزير الأول في الولاية، وهو من أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي، قد سمح لشركة فولكس فاغن بتحرير خطابه السياسي حول فضيحة انبعاثات الديزل التي منيت بها الشركة.
ومثل الكثير من الألمان، فالسيدة ميركل تعود إلى المكان نفسه الذي تقضي فيه عطلتها السنوية، وهي في هذه المرة، مثل كل مرة، تمارس رياضة المشي في جنوب تيرول، المقاطعة الإيطالية التي تتحدث بالألمانية. والصور لا تتغير في كل عام، حتى القبعة التي ترتديها السيدة ميركل أثناء رحلات المشي المطولة.
وفي الأثناء ذاتها، فإن منافسها، الرئيس الأسبق للبرلمان الأوروبي الذي لا يعرف الراحة أو الكلل، قد جال البلاد، طولها وعرضها، وعقد المؤتمرات الانتخابية والفعاليات الحزبية، وحيث إن حزبه أمضى السنوات الأربع الماضية كشريك صغير في الائتلاف المسيحي الديمقراطي برئاسة ميركل، فإن السيد شولتز يعمل للتأكيد على خلافاتهم السياسية. فهو يتحدث عن العدالة الاجتماعية، وحقوق المستأجرين، والاستثمارات الإلزامية في البنية التحتية، ووضع نهاية للالتزام الألماني بسداد اثنين في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى منظمة حلف شمال الأطلسي لأجل الدفاع. وهو ينتهج سياسة صارمة للغاية إزاء شركات صناعة السيارات الألمانية في أعقاب الفضائح التي يقعون فيها.
ولا يبدو أن لكل ذلك من فائدة. فإن أكبر استطلاعات الرأي الخاصة بالاتحاد الديمقراطي المسيحي قد انعقد.
في هذه الأثناء، يجد السيد شولتز نفسه يجمع بقايا الانهيار السياسي الهائل في ولاية سكسونيا السفلى، وهي الولاية المهمة التي تضم 10 في المائة من سكان البلاد.
وفي انتخابات الولاية لعام 2013 أخفق حزب ميركل في تشكيل الائتلاف الحاكم، وبدلاً من ذلك، تحالف الحزب الديمقراطي الاجتماعي مع حزب الخضر، الأمر الذي منحهم أغلبية بفارق مقعد برلماني واحد. وتولى ستيفن فيل، زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي في الولاية، منصب الوزير الأول - واحتل مقعده في مجلس الإشراف على شركة فولكس فاغن التي تتخذ مقرها الرئيسي في ولاية سكسونيا السفلى، وتعتبر الولاية ثاني أكبر المساهمين فيها.
ومؤخراً أعلنت إلكا تويستن، النائبة المخضرمة منذ 20 عاما في حزب الخضر، وصاحبة الميول السياسية المحافظة، عن مغادرة الحزب والانتقال إلى الاتحاد الديمقراطي المسيحي. ولقد بدأ الاتحاد الديمقراطي المسيحي العمل معها بعد خسارتها للتصويت المبدئي في يونيو (حزيران)، ولكنها اعتبرت أن المقاربات الأولى مع الاتحاد «غير أخلاقية». وفي الوقت الذي كانت مهيأة فيه للانتقال، كانت الانتخابات العامة على مسافة شهرين اثنين فقط زمنياً.
ومن ثم اشتعل الغضب بين جموع السياسيين والمؤيدين في كل من حزب الخضر والحزب الديمقراطي الاجتماعي. ووجهت الاتهامات إلى الاتحاد الديمقراطي المسيحي «بشراء» السيدة تويستن. ولكن النائبة اتخذت القرار وفقد الائتلاف الحاكم الأغلبية التي كان يحظى بها. وبدلاً من البقاء مع حكومة الأقلية حتى يناير (كانون الثاني) لعام 2018، قرر السيد فيل الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة. وربما تنعقد في 24 سبتمبر، في وقت انعقاد الانتخابات الوطنية العامة نفسه، وسوف يواجه السيد فيل الصعوبات في تحسين أداء وصورة حزبه عما تحقق في عام 2013. وهو متورط في فضيحة جديدة من تلقاء نفسه بعد أن ذكرت صحيفة «بيلد» واسعة الانتشار أن السيد فيل قد أتاح لشركة فولكس فاغن مراجعة خطابه الملقى في أكتوبر (تشرين الأول) لعام 2015 حول فضيحة انبعاثات الديزل لدى الشركة.
وقال الوزير الأول إنه لم يصنع ذلك إلا لأغراض التحقق من الوقائع وإن الانتقادات القاسية كافة التي كان ينوي توجيهها نحو الشركة لم تغادر مكانها في نص الخطاب. ولكن الآن، أصدر مكتب السيد فيل نص الخطاب، بعد التغيرات والتنقيحات كافة، ومن الواضح أن الأمر لم يكن كذلك. فالسيد فيل رفض تخفيف الحكم الذي يتهم شركة فولكس فاغن بالتلاعب ببيانات الانبعاثات لسنوات كثيرة (وقد أشارت الشركة إلى إضافة عبارة «أثناء الاختبارات») - ولكنه قد خفف بالفعل من حكم أقوى ينص في الأصل على «أن شركة فولكس فاغن، بالتالي، قد خرقت القانون وأساءت احترام الثقة». وكانت النسخة المعدلة تقول: «بالتالي، تم كسر القانون وأسيء احترام الثقة».
كان من المفترض للتقارب بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي وصناعة السيارات في البلاد أن يشكل عائقاً في طريق حزب السيدة ميركل، ولكن الآن تحولت الجداول على نحو مفاجئ. والناخبون تذكروا الحكمة التي تقول فضيحة فولكس فاغن وقعت على مرأى ومسمع من الحزب الديمقراطي الاجتماعي. وولاية سكسونيا السفلى أيضاً هي موطن للكثير من السياسيين البارزين في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، بما في ذلك وزير الخارجية سيغمار غابرييل، وهو أكبر مسؤولي الحزب في الائتلاف الحاكم.
واستولى الاتحاد الديمقراطي المسيحي على زمام المبادرة من الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يحاول العودة والظهور هذا العام بفوز الأول بثلاثة انتخابات على مستوى الولايات على التوالي. ويبدو أن انتخابات سكسونيا السفلى سوف تكون الجولة الرابعة. ويبدو أن السيدة ميركل قد لعبت لعبتها من دون أخطاء.
ومع عودة السيدة ميركل من العطلة المطولة لحضور الجزء الأخير من الحملة التي لعبت فيها دورها الدفاعي ببراعة منقطعة النظير، فإن التحدي الأكبر الماثل أمامها يتعلق بمعرفة شكل الائتلاف الحاكم في المستقبل. والاستمرار مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي ليس من خياراتها المفضلة، على الرغم من أنها قد تبرم صفقة سلام مع السيد شولتز، وحزب الخضر ليس من الشركاء الموثوق فيهم فإن القليل للغاية من أعضائه هم على شاكلة السيدة تويستن. وزعيم الحزب الديمقراطي الحر، كريستيان ليندنر، كان شرهاً وبصورة مفرطة للأضواء - وبالإضافة إلى ذلك، تعكس استطلاعات الرأي أن الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر قد لا يحققان حد الأغلبية سوياً في انتخابات سبتمبر المقبلة.
ووفق المعايير الألمانية، برغم كل شيء، لا يزال هناك الكثير من الوقت للوصول إلى تحالف. وسوف تركز السيدة ميركل على المساواة مع أو تجاوز النتائج المحققة في انتخابات عام 2013، والتي فاز حزبها فيها بنسبة 41.5 في المائة من الأصوات. وهي بالتأكيد على الطريق الصحيح للوصول إلى ذلك.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»