سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

عبد الحسين... رسم الابتسامة ورحل

وكأن الخليجيين في حاجة لمزيد من الأخبار السيئة التي تحاصرهم من كل مكان، حتى يرحل عنهم من زرع الابتسامة طويلاً، ورسم السعادة زمناً، ونقش في ذاكرتهم مشاهد فنية لا تمحى، لكنه القدر المحتوم ولو أوجعنا، هاهو عملاق الكوميديا الخليجية عبد الحسين عبد الرضا يفارق دنياه، بعد أن ترك موروثاً منقوشاً في ذاكرة أجيال تابعته وأحبته، وتعلقت بفضل فنه بالشاشة الصغيرة عندما كان لا يوجد غيرها. لم يكن «أبو عدنان» فناناً كوميدياً فحسب، وإنما مثل ظاهرة فنية فريدة عاش معها متابعوه، وهم بعشرات الملايين من أجيال تعاقبت، تراوح فيها مستوى الفن من الجيد إلى الرديء، وظهر فيها الغث والسمين، وظل الراحل يغرد بعيداً برسالة فنية ناصعة البياض، لم تلوثها لا الآيديولوجيا ولا الطائفية البغيضة، لم يغضب منه إلا المتطرفون، ولم يخاصمه إلا الموتورون، أما الغالبية العظمى من الجمهور فوضعته في مكانة خاصة صنعها بموهبة متميزة وأداء نادر ورسالة فنية راقية لم تتلوث، منذ وقوفه على المسرح للمرة الأولى في مسرحية «صقر قريش» عام 1961، مروراً بأشهر أعماله في الدراما التي لا تنسى مثل «درب الزلق» و«الأقدار» و«قاصد خير»، ومسرحياته الـ33 وأهمها «باي باي لندن» و«سيف العرب» و«على هامان يا فرعون» و«فرسان المناخ» و«بني صامت».
أسطورة الراحل عبد الحسين عبد الرضا يمكن تمييزها عن طريق كثير من أعماله الفنية التي لا تزال خالدة رغم مرور عقود عليها، إلا أن الأسطورة الحقيقية التي تركها في تقديري، هي قناعة الخليجيين بأن عبد الحسين فنان يعبر عنهم جميعاً وتداخل في حياتهم بعباراته وقفشاته، وأنه محسوب عليهم، وجنسيته جنسيتهم، لم ينظروا له على أنه كويتي فقط، بل اعتبروا هويته «خليجية» مثلهم تماماً، وهذا لا يتكرر مع غيره من الفنانيين. لقد تمكن بحس فكاهي فريد وأداء لا يتكرر من التربع على عرش الكوميديا الخليجية لأكثر من نصف قرن، حتى وهو واحد من جيل فني عملاق أنجبته الكويت ورحلوا قبله مثل خالد النفيسي وغانم الصالح وعبد العزيز النمش وعلي المفيدي، وبقي منهم سعد الفرج أطال الله في عمره.
أكثر ما ميز عبد الحسين عبد الرضا أيضاً أن موهبته لم تقتصر على التمثيل أو العمل المسرحي أو التلفزيوني أو الإذاعي، بل كان فناناً شاملاً حقيقياً، أخرج وكتب ولحن وغنى ومثّل، كما تميز بمفاجأة جماهيره بغير المتوقع في مسلسلاته ومسرحياته، وهذه ميزة يسعى لها بقوة كثير من الفنانين لكنهم يسقطون فيها غالباً بشكل مريع دون أن يعلموا ذلك، فيما جماهيرهم تسخر منهم، وهذا ما مكن عبد الحسين من دخول قلوب الناس قبل بيوتهم بهذه التركيبة الفنية غير المتكررة، إلى أن أضحى نجماً ومحبوباً جماهيرياً منذ فترة مبكرة من عمر الفن الخليجي، مقدماً الكوميديا الانتقادية ومشاكسة الجوانب السياسية عندما كان التطرق لها نوعاً من المحرمات، ومع ذلك استطاع النفاذ برسالته الفنية دون إيقاع كثير من المشكلات الاجتماعية أو السياسية، على خلاف غيره ممن يرغبون في اعتلاء السلم بأقصر الطرق ودون أن يكون لديهم ربع الإمكانيات التي تمتع بها الراحل.
يبقى أفضل تكريم لعبد الحسين عبد الرضا ذلك الحب الكبير الذي عم الخليجيين بعد الإعلان عن وفاته، لم يجبرهم أحد، لم يطلب منهم أحد، فمحبة الناس لا تشترى بل تُكسب. زرع أبو عدنان طويلاً فاستحق تكريماً تلقائياً عظيماً. هنيئاً لمن يرحل وهو كذلك.