طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

كاظم الساهر ليس «سوبرمان»

على مدى 27 عاماً والشعب الكويتي لم ينس، ولأن الجرح عميق فإنه من المستحيل أن يندمل. الكراهية ضد المغتصب صدام حسين تزيدها الأيام لهيباً. لم ولن تجف دماء الشهداء الكويتيين الذين ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن الوطن.
الشعب الكويتي تسامح مع الشعب العراقي لأنه يعلم أنهم مقهورون. الرابطة التاريخية بين الشعبين عصية على الانفصام، ولكن تبقى بعض التفاصيل العالقة، مع عدد من الأشخاص الذين كانت لهم في القلوب مكانة خاصة.
باءت قبل أيام بالفشل محاولة المطرب الكبير كاظم الساهر الغناء في الكويت، ولم تكن الأولى، وأقول لكم أيضاً إنها لن تكون الأخيرة. سيحاول كاظم مجدداً طرق الباب لعله يُفتح. هكذا تراجع منظمو الحفل الذي كان مزمعاً إقامته في دولة الكويت، تحسبا لغضب محتمل. تابعوا بعض تفاصيل الرفض على (النت) وتوجسوا أن يتعكر صفو الليلة الغنائية، كاظم على الجانب الآخر رد برسالة صوتية يؤكد خلالها أن الشعب العراقي غير مسؤول عن جنون الطاغية، إلا أن الاتهام الذي كان ولا يزال يلاحق كاظم، أنه غنى للديكتاتور، فهو لا يعامل باعتباره واحدا من أفراد الشعب العراقي فلا كراهية بين الشعبين.
هي بالطبع خطيئة لو عزلناها عن الظرف بشقيه الزمان والمكان، دعنا نسأل هل كان كاظم يستطيع أن يقول لا ولم يقلها؟ بالمناسبة أنا أفكر معكم بصوت مسموع، لا أدافع أو أدين أحدا، كاظم يعلم تماما باعتباره المطرب العراقي الأول، أنه لو تقاعس عن الغناء، فلن يأمن على حياته، ربما تلقى إشارة غير مباشرة للغناء، قد يقول البعض لماذا لا نفترض أنه هو الذي تطوع بالغناء من دون أن يتلقى تلك الإشارة؟ ممكن طبعا، إلا أنه حتى مع افتراض صحة ذلك، فإنه كان يخشى سوء العاقبة. كاظم مثل أغلب الفنانين في عالمنا العربي، يعيش خاضعا للنظام الحاكم ويخاف من العقاب، حتى لو لم يكن ينتظر «الجزرة» التي تمنحها السلطة لمن ترضى عنهم، فإنه ولا شك يخشى «العصا» التي تنهال بها على من يعارضها.
الناس تعودت أن تعامل الفنان باعتباره بطلاً صاحب موقف سياسي، بينما الحقيقة أنه يمتلك موهبة ولكن لا يمتلك في العادة موقفاً، جزء من تسويق البضاعة أن يقدم الفنان نفسه لجمهوره كصاحب رأي، وأن صوته فقط ملك للناس وليس الحاكم.
كاظم قبل نحو 30 عاماً وهو يحتل مكانته الاستثنائية كنجم عربي محبوب، أي أن نجاحه قد تجاوز حدود العراق، ولكن هل ننسى أننا عندما نتحدث عن سلطة باطشة مثل صدام فإن القتل يعتبر بالنسبة له مثلما يردد تحية صباح الخير؟!.
كاظم إذا أراد الغناء في الكويت فإن عليه تغيير الخطاب الذي يتوجه به للشعب، حتى لو قلنا إن الرافضين لوجوده يشكلون الأقلية، فإن المطلوب أن يعترف أنه إنسان وليس مناضلاً، وأنه غنى لصدام أكثر من مرة لأن الثمن لو امتنع، من الممكن أن يصبح حياته.
الأبطال عبر التاريخ هم الأقلية، بينما كاظم مثل أغلب الفنانين والمثقفين يريد فقط أن يصل صوته للناس. هناك صورة ذهنية للفنان صنعها الإعلام تؤكد أنه البطل المغوار، والغريب أن بعضهم يصدق نفسه، والمطلوب من كاظم أن يقول أولاً للشعب الكويتي، حتى الذين سامحوه، اغفروا لي لأني بشر ولست «سوبرمان»، وبعدها من الممكن أن يفتح له الباب!