هاشــم صالــح
كاتب وباحث ومترجم سوري، يهتم بقضايا التجديد الدّيني ونقد الأصولية ويناقش قضايا الحداثة وما بعدها.

لماذا تنتحر الحضارات الجميلة؟

أول شيء صفعني في وجهي ما إن دخلت المكتبات الفرنسية مؤخرا، كتاب ضخم يحمل عنوانا عريضا بالخط الأحمر اللافت للنظر فورا: «الانتحار الفرنسي»! قلت بيني وبين نفسي: يا سبحان الله هم يتحدثون عن الانتحار الفرنسي رغم غناهم وتفوقهم في شتى المجالات فماذا يمكن أن نقول نحن إذن؟ من سيؤلف كتابا ضخما بعنوان: الانتحار العربي أو التفكك العربي أو الانهيار العربي؟ لكن دعونا من هذه المقارنات البائسة وغير المجدية لسبب بسيط هو أن المقارنة ممنوعة هنا. لماذا أيها الفطحل؟ لأنك ينبغي أن تقارن المتفوق مع المتفوق والمتخلف مع المتخلف، أي فرنسا مع ألمانيا أو إنجلترا وليس فرنسا مع العرب أو العجم.

أنقذوني من هذا الإرهابي!

ترددت كثيرا قبل كتابة هذا المقال. عددت على الـ10 رغم أنه كان يعتمل في نفسي منذ زمن طويل. والشيء الذي شجعني عليه وحسم أمري هو وقوعي عن طريق الصدفة المحضة على مقال للأستاذ جهاد فاضل في مجلة «العربي» الكويتية. وهي مجلة عزيزة على قلبي منذ فترة الطفولة الأولى، أو لنقل الشباب الأول. ولا يفوتني عدد منها عندما أكون في المغرب. المقال الذي أثلج صدري يحمل العنوان التالي: «نزار قباني والأخطاء اللغوية». وفيه يقول الكاتب اللبناني المعروف بأن الشاعر العربي الكبير اتصل به في ساعة متأخرة من الليل لكي يشكو من يد امتدت إلى مقاله وغيرت فيه كثيرا. ومن الذي فعل ذلك؟ إنه المصحح اللغوي في المجلة.

الكرة في ملعب المفكرين

من الرباط انتقلنا إلى تونس لحضور ندوة فكرية غنية بالمداخلات والمناقشات، وقد كانت من تنظيم جهتين اثنتين: مؤسسة «كونراد أديناور»، و«المرصد العربي للأديان والحريات»، برئاسة الدكتور محمد الحداد، وشارك فيها عدد من أقطاب الفكر العربي المعاصر، نذكر من بينهم، على سبيل المثال لا الحصر، الدكتور وحيد عبد المجيد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة وعضو البرلمان السابق، والدكتور عبد الله السيد ولد أباه، أستاذ الفلسفة في جامعة نواكشوط وعضو مجلس أمناء مؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، والأستاذ عبد الوهاب بدرخان، المحلل السياسي والكاتب المعروف الذي ألقى مداخلة قيمة بعنوان: «الربيع العربي - دروس ومراجعات»، والدكتور

معركة التنوير الفرنسي

تعجبني المعارك الفكرية أكثر من المعارك السياسية، وإن كانت هذه من تلك. وتعجبني عبارة هيغل: «لا شيء عظيما يتحقق في التاريخ من دون أهواء هائجة ومعارك صاخبة». والدليل على ذلك أكبر مشروع تنويري فرنسي في القرن الثامن عشر: أي مشروع الموسوعة الخاصة بالعلوم، والفنون، والصناعات، والفلسفة. وهو الذي أنجزه ديدرو وفريق عمله على مدار ربع قرن تقريبا. وهو ما يدعى اختصارا بالإنسكلوبيديا. وكان إلى جانب ديدرو مفكر آخر يدعى دالامبير. وهو من كبار علماء الرياضيات في عصره. وقد تعاون معهما على كتابة مواد الموسوعة الضخمة عشرات وربما مئات الباحثين والمفكرين في شتى الاختصاصات.

ندوة الرباط: الدين والحرية!

هذا هو عنوان الندوة العلمية الدولية التي عقدت مؤخرا في العاصمة المغربية. وقد نظمتها حركة «ضمير» التي يرأسها الأستاذ صلاح الوديع. وهي جمعية مدنية تهدف إلى تحقيق «حرية الفكر وانتصار المعرفة وكرامة الإنسان». وتم ذلك بالتعاون مع المكتبة الوطنية من جهة، ومؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية من جهة أخرى. وهي مؤسسة ألمانية معنية بحوار الثقافات والحضارات والأديان. شارك في هذه الندوة من الجهة العربية عدد من المثقفين المعنيين عموما بشؤون التجديد الديني، أذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور عز الدين العلام الذي أدار الجلسة الأولى وكانت بعنوان «سؤال الحرية في البناء النظري الإسلامي».

المخاض الانتقالي العسير

فوجئت برحيله مفاجأة كاملة، ولم أصدق في بداية الأمر. لم أكن أعرف أنه مريض. لا أزعم أني كنت من أصدقائه المقربين، بل ولم ألتقِ به إلا مرة واحدة. كان قد سمع أني معجب بمؤلفاته وبطريقة تفكيكه لـ«عقدة العقد التراثية». وبالفعل، فقد عبرت عن ذلك أكثر من مرة في الجرائد العربية، وبخاصة في «الشرق الأوسط»، وكان من قرائها ويستشهد بها أحيانا، فاتصل بي في أحد الأيام لكي نتعارف، بعدها سافرت إلى المغرب الجميل، وأصبحت متنقلا هنا أو هناك ومشردا في شتى أصقاع الأرض، ولم أعد أرى أحدا.

ارفعوا أيديكم عن المرأة أيها الظلاميون!

عدة حوادث حصلت مؤخرا وقتلتني قتلا.. منعتني من النوم وأقضت مضجعي. الأولى هي حادثة رجم امرأة في ريف حماه بمشاركة والدها! والثانية هي إعدام المهندسة الإيرانية الشابة ريحانة جباري (26 سنة) من قبل جلاوزة الأصولية الإيرانية وقضائهم الخنفشاري القراقوشي الذي لا يرحم. والثالثة هي انتحار امرأة كردية لكيلا تقع في يد «داعش». ورابعها استرقاق نساء الإيزيديين من قبل الداعشيين وإعادة قانون العبودية شرعا! وخامسها وسادسها وسابعها... إلخ. لا ينبغي أن ننسى ما تفعله بوكو حرام بنساء نيجيريا المختطفات بالعشرات والمئات. والآن أصبحن «زوجات» شرعيات بالاغتصاب مثل الإيزيديات. هناك حقد من المتطرفين على المرأة.

شكرا تونس!

يبدو أن الكوابيس ابتدأت تنزاح عن صدورنا الواحد بعد الآخر. ما هذه المفاجآت السعيدة؟ هل نستحقها يا ترى؟ فها هي تونس تسلم قيادها أيضا للمتنورين. ها هو الإسلام الوسطي المستنير يتغلب على الإسلام الإخواني المتخلف المضاد لحركة العصر والتاريخ. ماذا تريدون أكثر من ذلك ليفهَم كلامي جيدا: نعم للإسلام وألف نعم، ولكن مستضيئا بنور العلم ووهج الفلسفة. نعم للإسلام متصالحا مع نفسه ومع العصر. لا نستطيع أن نناطح العصر إلى ما لا نهاية. لا نستطيع أن نتحدى كل الأمم المتحضرة والشعوب. لقد أصبحنا نشازا على خارطة التاريخ. لقد أصبحنا مشكلة العالم كله! ولكن، ها هي تونس تصحح المسار. فهل تبخر الوهم الأصولي الجبار يا ترى؟

المنتجع الفرنسي وقراءات شتى

غرقت كالعادة في بحر الكتب ما إن وصلت إلى فرنسا قبل نحو الشهر. أهم شيء تؤمنه لك البلدان المتقدمة هو سهولة الحصول على الكتب والمطالعة المجانية. بإمكانك أن تثقف نفسك من دون أن تشتري كتابا واحدا. بإمكانك أن تستعير ما لا يقل عن 15 كتابا دفعة واحدة من كل المكتبات لا على التعيين. وكلما فرغت من كتاب وأعدته إليهم يمكنك أن تستعير بدلا عنه كتابا آخر... وهكذا دواليك. إذا كان هناك شيء أحسدهم عليه فهو هذا الشيء: نظام مكتبات عامة من أرقى ما يكون. وهو يشكل شبكة هائلة تشمل البلاد كلها من أكبر مدينة إلى أصغر قرية.

ألمانيا من لوثر إلى ميركل

خصصت مجلة «التاريخ» الفرنسية الأنيقة المصورة، التي يكتب فيها كبار أساتذة الجامعة الفرنسية، عددها الأخير لهذا الموضوع. وبالتالي فالعنوان ليس مني، ولكنه جذبني ودفعني الفضول إلى تصفح العدد والاطلاع على تاريخ ألمانيا منذ بداية الإصلاح الديني وحتى اليوم. لا أعرف لماذا يخطر على بالي أحيانا إقامة المقارنة بين الأمة الألمانية والأمة العربية. يرى بعض المؤرخين أنك لو طرحت هذا السؤال على الألمان: من أعظم شخصية في تاريخكم؟ لأجاب البعض مارتن لوثر. ولكن البعض الآخر قد يقول: غوته، أو بسمارك، أو كانط، أو هيغل... الخ.. وعموما فإن التاريخ الألماني مليء بالعباقرة. ولكن لو سألته ما أعظم كارثة في تاريخكم؟