حسام عيتاني
كاتب وصحافي لبناني لديه عدد من المؤلفات؛ منها: «الفتوحات العربية في روايات المغلوبين»، إضافة إلى ترجمات ومساهمات في دوريات عربية مختلفة. انضم إلى كتّاب «الشرق الأوسط» في عام 2018.

اللغة كعنصر سياسي في أوكرانيا والعالم العربي

قضايا شائكة عدة طرحتها الحرب الروسية على أوكرانيا. لعل من أكثرها حدة القضية القومية، إلى جانب مسائل السيادة الوطنية، والحق في تقرير المصير، والأمن الدولي، والولاءات لمحاور متنافسة ومتصارعة، وعلاقات الشرق بالغرب. معايير ما قبل الحرب الحالية لم تعد صالحة. فكرة الدولة– الأمة التي أنتجتها الحداثة الأوروبية كنقيض للإمبراطورية متعددة الأعراق واللغات التي سادت على امتداد آلاف السنين، تتعرض لاختبار قاسٍ في مناطق مختلطة اللغة والعرق، مثل الدونباس والقرم. وجهة النظر الرسمية الروسية تدمج بين النطق باللغة وبين الانتماء القومي.

انتخابات لبنان: قراءة في أداء المسيحيين والسُّنة

الغالب على الظن أن المجلس النيابي المقبل في لبنان سيكون، في أفضل الأحوال، نسخة سيئة عن المجلس المنتخب في 2018. استطلاعات الرأي التي يبقى الكثير منها بعيداً عن الأضواء وتقديرات المعنيين بالشأن الانتخابي، لا تبدي تفاؤلاً بما ستسفر عنه انتخابات شهر مايو (أيار) المقبل. معركتان كبيرتان ستشهدهما الانتخابات؛ أصوات المسيحيين ومصير الشارع السنّي. تبدو حظوظ «التيار الوطني الحرّ» الذي يترأسه صهر رئيس الجمهورية، جبران باسيل، في وضع لا تُحسد عليه. وشهدت الدورة السابقة انحساراً ملحوظاً لموجة «التسونامي» التي جاء بها التيار في 2005 بأصوات المسيحيين. وأحرز حزب «القوات اللبنانية» تقدماً لافتاً.

مستقبل أوروبا في حاضرنا

يخاف الأوروبيون من وصول ألسنة اللهب الأوكراني إليهم. يخشون أن تكون بلادهم الآمنة واقتصاداتهم المزدهرة ومجتمعاتهم الحرة هي الهدف المقبل للحرب الروسية. خسارة امتيازات الحاضر هي دافع رئيسي في دعمهم أوكرانيا دعماً حذراً ومرتبكاً. ذكريات تسويتَي ميونيخ 1938 مع هتلر ويالطا 1945 مع ستالين تحرّك فيهم قلقاً عميقاً من تكرار أخطاء «التهدئة» وتقاسم مناطق النفوذ مع عتاة الحكام المتسلطين. يريد الأوروبيون والغرب عموماً أن يظلوا أوفياء لقيم الديمقراطية من دون خسارة مستوى معيشتهم. حكوماتهم تندد بالاجتياح الروسي وترسل أسلحة ومالاً. لكنها تتردد كثيراً في وقف شراء النفط والغاز من الشركات الروسية.

التاريخ كما رواه بوتين: الوحدة وإلا...

في مقالته المنشورة في يوليو (تموز) الماضي، يستحضر الرئيس فلاديمير بوتين التاريخ لنفي شرعية الدولة الأوكرانية. في خطاب الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك كرّر الموقف ذاته معتبراً أن أوكرانيا تفتقر أصلاً إلى مقومات الكيان المستقل ومقدماً صورة كالحة السواد للأوضاع السياسية والاقتصادية هناك. العودة إلى حقب بعيدة من التاريخ لتبرير ممارسات حالية وسلوك راهن، لعبة على الرغم من خطرها فإنها تبقى مفضلة عند سياسيين غالباً ما يتشاركون في صفات تُعلي من أهمية «حقائق التاريخ والجغرافيا» على حساب الواقع القائم اليوم. ونجد إسرافاً في استخدام نسخ منقحة من التاريخ لدى «البعث»، بجناحيه العراقي والسوري.

«عالم جديد شجاع»

تتردد أصداء خطاب الكراهية من الهند إلى فرنسا ويسقط ضحايا العنف العرقي والطائفي في إثيوبيا وميانمار. يُطرد مئات آلاف الروهينغا والإيغور من ديارهم ويلاحَق أبناء الأمهرا ومسلمو الهند بسبب الاختلاف في الدين واللغة واللون. تبني أوهام النقاء والأصول المتفوقة «عالماً جديداً شجاعاً»، على حطام التعدد والاختلاف والسلام. وصف آلدوس هاكسلي في روايته «عالم جديد شجاع» (1932) المجتمع البشري في المستقبل وصفاً سوداوياً يعيش فيه الناس موزعين على مجموعات منفصلة بحسب مستوى ذكاء محدد مسبقاً من قبل قادة الجماعة. ويمضي المحظوظون حياتهم يتمتعون بما يقدم لهم من دون قدرة على التفكير والابتكار.

لبنان النظام وأوهام المعارضة

الحرب الأهلية هي العبارة السحرية التي يُفترض أن توقظ اللبنانيين وأن تُخرجهم من سباتهم وتنبههم إلى أن ما ينتظرهم في الشهور المقبلة سيكون أسوأ بأشواط مما عرفوه حتى اليوم. تقابل التحذيرات من الحرب، توقعات بقرب سقوط منظومة الفساد الحاكمة وبداية عهد الدولة المدنية. ولا يقتصد السياسيون اللبنانيون في استخدام التلويح باستئناف الحرب. هناك من يمدح نفسه لإبعاد كأسها المُرّة عن مواطنيه وهناك من يحذر من الحرب كأنها على الأبواب، في حين يتبارى آخرون في توقع «تطورات مرعبة» سيشهدها البلد الصغير.

السودان ومستقبل الديمقراطية

لا تُنبئ المبادرة الأممية لبدء مشاورات بشأن الخروج من الأزمة السودانية بكثير من التفاؤل. الفتور الذي قوبلت به دعوة مبعوث الأمم المتحدة فولكر بيرتس لجميع الأطراف إلى المشاورات، خصوصاً في أوساط المعارضة، سلط الضوء على خلو المبادرة من أي جانب عملي أو تصور مستقبلي لكيفية وضع حد للتدهور المتواصل في المجالين الأمني والاقتصادي. المسار الذي سلكته الأحداث منذ انقلاب الجيش في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على الاتفاق مع «قوى الحرية والتغيير»، وصولاً إلى استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بعد فشله في تشكيل حكومة اختصاصيين تتوافق مع الشرط الذي وضعه للعودة إلى منصبه، صار معروفاً.

بالذهول يقابل اللبنانيون قبائح سياسييهم

يصل اليأس ببعض اللبنانيين إلى مستوى الدهشة. كأن بلدهم أصبح ثقباً أسود لا ينجح حتى الوقتُ والضوء في الفرار من جاذبيته القاتلة. لا مبادرات، ولا حلول في الأفق. فكل شيء في حالة انتظار لمجهول قد يأتي على شكل انتخابات أو قد يمتد انتظاره إلى ما لا نهاية له. لخصت كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون قبل أيام حالة الدهشة بتوجهه إلى اللبنانيين بتساؤلات، الإجابة عنها من صلب مهامه ودوره الدستوري. تساءل الرجل عن الأسباب التي تحول دون الخروج من الانهيار الذي وقع في عهده وبرعايته. هاجم «المنظومة» الحاكمة التي يقيم هو وحزبه على رأسها.

البُخاري كمؤشر اجتماعي ـ سياسي عربي

تبرز كل بضع سنوات قضية أو شخصية من التراث العربي – الإسلامي لتحتل ساحة النقاش ولينقسم حولها المثقفون والكتّاب والمعنيون عموماً بالشأن العام. في الشهور والأعوام الماضية، عاد الإمام البخاري وصحيحه إلى مركز الضوء بل إلى قاعات المحاكم في أكثر من منبر وبلد عربي. عودة سريعة إلى أوائل الألفية بعد صعود تنظيمات العنف الجهادي، خصوصاً على أثر هجمات «القاعدة» في نيويورك وواشنطن، تُظهر أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان نجم تلك المرحلة. فتاواه وآراؤه وشخصيته بل أصله ومنبت عائلته، كانت مواضيع اهتمام بالرجل فاق المعقول. دول عربية حظرت تداول مؤلفاته ومؤتمرات عُقدت للبحث في راهنية فتوى من فتاواه.

الاحتلال الإيراني إذ ينضمُّ إلى «حروب الآخرين»

تتكرَّر هذه الأيام من المنابر المعارضة للممانعة مقولة إن لبنان واقع تحت الاحتلال الإيراني، وإن الاحتلال هذا مسيطرٌ على كل مفاصل الدولة والمجتمع على نحو بات من العبث التصدي له والعمل على إنهائه ووضع حد لتمدده، وإن اللبنانيين مغلوبون على أمرهم أمام هذه الفاجعة التي ألمت بهم. يستحسن أصحاب هذه النظرة تصوير القوة اللبنانية المسند إليها تنفيذ جدول أعمال الاحتلال المذكور، أي «حزب الله»، باعتباره امتداداً محلياً للحرس الثوري الإيراني يأتمر بأوامر قادة الحرس وينفذ خططهم ورغباتهم. يسيطر «حزب الله» على الدولة اللبنانية، لا جدال في ذلك، يتدخل في عمل القضاء، يعوق التحقيق في تفجير الرابع من أغسطس (آب) 2020،