خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ

حاميها حراميها

«حاميها حراميها» من الأمثال السائرة. له مرادفاته في معظم اللغات الأجنبية الأخرى. ولكنه يبدو أجمل وأوقع في اللغة العربية لما يتضمنه من جناس موسيقي ظريف فيها. والقول منتشر في سائر البلدان العربية، وتروى له حكايات مختلفة. والمعتاد أن يستشهد به الجمهور للسخرية من المسؤولين المتفسخين والأنظمة القائمة على الرشوة والاختلاس والسرقة. لا عجب أن يشيع استعماله في الحقبة الأخيرة من تاريخنا المعاصر في كثير من بلدان الشرق الأوسط، حتى رجعت بعض الأغاني الشعبية والمنولوجات السياسية أصداء كلماته. وكما قلت، رويت لهذا المثل السائر حكايات مختلفة.

أصداء الأذان ورنين النواقيس

كانت معظم البلاد العربية تضج برنين النواقيس من جانب، وبصوت الأذان من جانب آخر. وفي أيام الدولة العربية، كانت هناك أديرة كثيرة تحيط بمدينة بغداد. تردد ذلك في كثير من الأشعار. فقد اعتاد الشعراء المُجّان، كأبي نواس، على الخروج من المدينة، وارتياد هذه الأديرة، وقضاء المساء، أو الليل. وقد تردد الكثير من ذلك في قصائدهم. من المعروف عن الرهبان أنهم ينشدون الخلوة والعزلة، وتكريس وقتهم للعبادة والتراتيل الدينية. ولهذا نجدهم في أوروبا يشيدون أديرتهم وصوامعهم في الأماكن المنعزلة، غالباً على قمم الجبال. أما في الشرق، قد وجدوا ضالتهم من عزلة وانفراد وتأمل في البراري والصحراء.

اغتصاب لوكريتيا

اغتصاب المرأة وهتك عفافها من الموضوعات التي شغلت بال المجتمع منذ قرون في شتى المناطق؛ لا سيما منطقة البحر الأبيض المتوسط. وتعاقب عليه الشرائع كافة في هذه البلدان بأقسى العقوبات. وحتى في المناطق التي انتشرت فيها الإباحية مؤخراً، فإن القوانين ما زالت تنص على معاقبة الجاني بشدة. شغل هذا الموضوع ذهن الأدباء والفنانين الغربيين منذ قرون. وتعود حكاية «اغتصاب لوكريتيا» إلى عصر الرومان، فتروى حكاية امرأة متزوجة؛ لوكريتيا، كانت نائمة في بيتها خارج روما عندما اقتحم حجرة نومها رجل لا تعرفه واغتصبها.

صفحات من الحكم الملكي في العراق

كان العراق يزخر في أيام الخير بالشعراء والأدباء والمفكرين الذين عارضوا الحكم الموالي للإنجليز بقوة وجرأة من دون أن يتلقوا الكثير من العنت أو المضايقة، بل وفي كثير من الأحيان كان المسؤولون يتجاوبون ويتعاطفون معهم ولا يتجاوزون غير النقد واللوم والعتاب في الرد عليهم. يعطينا الشاعر معروف الرصافي خير مثال على ذلك. وفي ميدان النثر برز الأديب والكاتب الصحافي إبراهيم صالح شكر الذي تميز بقلم سيال ووطنية دافقة وحدة في الكلام والنقد والمعارضة. أصدر عدة صحف على مر الأيام منذ العهد العثماني وحتى قبيل وفاته عام 1944.

شاعر طواه النسيان

الدكتور عدنان علي رضا النحوي من الشعراء الفلسطينيين المنسيين وقد كان ينتمي إلى جيل المحافظين والعموديين. له قصائد جميلة عن مدينة صفد التي وُلد ونشأ فيها قبل أن تُلمّ به فاجعة التقسيم ووقوع صفد في أيدي الإسرائيليين، ومن ثم التشرد مع بقية الشتات الفلسطيني. نشر وألقى قصائد كثيرة حذّر فيها العرب من اقتراب الفاجعة: وطني ذكرتك والمصائب كشّرت عن نابها واحمّر فيها المخلب فصرخت مكلوماً: أَمَا من مُنجدٍ يحنو عليّ ومسعف لا يرهب وأتاك ينقذ من رجوت حنانه فإذا به قاسٍ عليك مجرّب - درس عدنان النحوي في الكلية العربية في القدس. وما إن تخرج فيها حتى حلّت يد الشتات على الزمرة المتخرجة فيها.

أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا

من أروع ما قيل في الغزل والنسيب قصيدة ابن النبيه المصري. ياما غناها الأقدمون واللاحقون، بمن فيهم سيدة الطرب العربي المعاصر، أم كلثوم - رحمها الله - في مطلع نجوميتها. والقصيدة عامرة في بدائع بديعياتها اللفظية، من جناس وتوريات رقيقة، كما سأشير أدناه: أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعا؟ من لم يذق ظُلم الحبيب كظَلمِه حلواً فقد جهل المحبة وادَّعى الظُّلم في البيت الثاني بضم حرف الظاء معروفة، وهي ضد العدل والطيبة، أما الظَّلم بفتح حرف الظاء فهي ماء الأسنان ورونقها البراق. وهذا لعمري استعمال عجيب في وصف جمال الحسان بهذه الدقة.

الشاعر والأولاد والوطن

كنت قد أتيت في مناسبات سابقة على ذكر الشاعر الفلسطيني عدنان علي رضا النحوي، واستشهدت بشيء قصائده. وقد عثرت بعد ذلك على مقابلات إخوانية في ديوانه المعروف باسم «ديوان الأرض المباركة». كانت منها محاورته مع خاله الشاعر محيي الدين الحاج عيسى. وكان الدكتور عدنان النحوي قد رزق بطفل سماه إياداً.

ثمن جريدة

كانت النفقات في أيام الخير، أيام العهد الملكي في العراق، مقننة على المسؤولين إلى حد الفلس. وكثيراً ما كانت تجري مناقشات طويلة بشأن أتفه المبالغ. وهو ما حدث للسيد نجدة فتحي صفوة عندما كان في وزارة الخارجية مسؤولاً عن قسم الدعاية والصحف. فاجأه الفرّاش يوماً وقال له إن الوزير يريد مقابلته. استغرب من الطلب فلم يكن من شأن الوزير أن يطلب من رئيس شعبة صغيرة أن يأتي إليه. لكنه ذهب فوجد معالي الوزير الشابندر في حالة عصبية. سأله «أنت مسؤول الصحف؟» قال «نعم، أنا». فقال له «هل قرأت في الأيام الأخيرة جريدة (الاراكي تايمز)، الأوقات البغدادية التي كانت تصدر باللغة الإنجليزية؟»، فأجابه بالنفي.

قالوا في الحب

> أنا وزوجتي اعتقدنا أننا نحب بعضنا بعضاً، لكن تبين لي فيما بعد أن مشاعرنا كانت ساذجة. (الممثل الأميركي وودي الن) > تقلب النساء اللواتي أحببتهن لا يقابله شيء غير تمسكهن المزعج بحبي. (برنارد شو) > الزواج هو الخطوة الأولى نحو الانفصال. (الكوميدية زازا غابور) > لقد كنت طوال الأربعين سنة الماضية أحب المرأة نفسها. وإذا اكتشفت زوجتي ذلك، فسوف تقتلني.

الفن وعلم التشريح

تميز عهد النهضة الأوروبية (الرنيسانس) من القرن الخامس عشر إلى القرن السادس عشر، بالتعلق بالطبيعة ومحاولة فهمها ومحاكاتها. نستطيع أن نلمس ذلك في أي تصاوير لأعمال روفائيل وفلاسكس ودافنشي وميخائيل أنجلو، وسواهم. تطلب ذلك من الفنان أن يدرس ويتفهم جسم الإنسان، عظامه وعضلاته وأوعيته وأحشاءه... إلخ. ودفع هذا الهوس بجسم الإنسان بعض الفنانين إلى نبش أي قبر جديد لإخراج الجثة الطرية لفحص عظامها وعضلاتها، وكانوا يقومون بذلك سراً، فيشرحونها ويتحققون من خفاياها قبل إعادتها إلى مثواها ومواراتها التراب. وسرعان ما تولت معاهد الفن القيام بهذا الواجب لتلامذتها.