حازم صاغيّة
ثقافة وفنون جارتي التي لن تصبح فنّانة أبداً

جارتي التي لن تصبح فنّانة أبداً

جارتي محبوبة جدّاً من أمّها ومحبوبة من حماتها كذلك. وهي تبادلهما الحبّ، لكنّ حبّها للرسم يفوق حبّها لهما، أو لأي شيء آخر. هكذا استأجرتْ مرسماً على مقربة من بيتها، وراحت تقضي فيه أربع ساعات يوميّاً أو نحو ذلك. هناك كانت تنجز مشروعاتها الفنّيّة، وبين مشروع وآخر كانت تحلم بالمعارض التي سوف تقيمها وبالنجاح الذي ينتظرها في المستقبل. شيء واحد كان يعترض طموحها، وكان يعترضه كثيراً. ذاك أنّ أمّها وحماتها، وهما طبّاختان ماهرتان، كانتا تظنّان أنّ جارتي تعاني نقصاً في التغذية، وأنّ زوجها أيضاً، وهو نحيل جدّاً، يعاني نقصاً مشابهاً.

حازم صاغيّة
يوميات الشرق حيوات صالح بشير الكثيرة

حيوات صالح بشير الكثيرة

مات صالح بشير موتين وعاش حيوات كثيرة. وفاته الأولى كانت رحيل نجله الشابّ التي مهّدت للوفاة الثانية - رحيله هو. لكنّ كلّ مدينة كان يسكنها كانت حياة أخرى يحياها، وصالح عاش في مدن عدّة.

حازم صاغيّة
يوميات الشرق قصة قصيرة: 25 نيسان 2025

قصة قصيرة: 25 نيسان 2025

حين خرجت من البيت، صباح السبت، 25 نيسان 2025، بدوتُ على شيء من الخوف والتوتّر. اخترت أن أتجنّب المصعد كي لا تجمعني تلك الغرفة الضيّقة بأي واحد من جيراني الذين انقطعت عنهم تماماً منذ 5 سنوات. فماذا أقول للجار فيما نقف وجهاً لوجه؟ وهل فعلاً بات من المأمون أن نقف وجهاً لوجه؟ ثمّ، من أين يبدأ كلامنا؟ لقد بدا لي الأمر أشبه بإيقاظ شخص من نوم عميق ومطالبته أن يصعد الجبل فوراً وركضاً أو أن يسبح في بحيرة تجلّدت مياهها. هكذا أحسست أنّ نزول الدرج يعفيني من هذه الامتحانات التي لم أتعرّض لها منذ بدء الحجر الصحّيّ. وفي محاولة لتخفيف المشقّة عنّي قلت لنفسي؛ لا بدّ أن إحساسي هذا سوف يتراجع بالتدريج.

حازم صاغيّة
تحقيقات وقضايا بين زائرنا السوفياتي  وزائرنا الروسي

بين زائرنا السوفياتي وزائرنا الروسي

الضجيج هو الفارق الأول بين الدور السوفياتي في المنطقة والدور الروسي. فموسكو السوفياتية حين قررت، بعد رحيل جوزيف ستالين عام 1953. أن تهبط جنوباً، سبقها دوي قوي: تحرير الشعوب، مكافحة الإمبريالية، نصرة الكادحين والمقهورين... وفي أواسط ذاك العقد دخلت إلى سوريا ومصر من بوابة كسر احتكار السلاح الغربي، فبدا الأمر لعباً استفزازياً بالنار. الضباط العرب كانوا حينذاك يوالون الاستيلاء على السلطات في بلدانهم: عام 1958 في العراق، وقبل ذاك أطاحوا أديب الشيشكلي في سوريا وحكموا كـ«قوميين تقدميين» خلف واجهة مدنية.

حازم صاغيّة
يوميات الشرق مؤامرة لموت العمّ داود...

مؤامرة لموت العمّ داود...

لم يكن قد انقضى غير يوم على اكتمال المبنى، حين توفّي المعماري الذي بناه. فالعمّ داود، الذي بدا فخوراً بصنيعه الجديد، كان يهيئ نفسه لبيوت أخرى يعمرها، بيوتٍ تعود عليه بالمال، وبشهرة تتعدى منطقته. يومذاك، كان المهاجرون يرسلون الأموال التي تُنفَق على منازل يخططون للإقامة فيها بعد عودتهم من أفريقيا وأميركا اللاتينية. أمّا الطلب على داود نفسه، فكان بدوره كبيراً: فهو مَن أجمعوا كلهم على أنّ البيوت لا تصلح للسكن والتباهي إلا إذا بَنَـتْها يداه الماهرتان. لكن العمّ، ولم يكن قد بلغ الستين، خذلهم جميعاً؛ لقد نام ولم يُفق. الذين شاهدوه في أيامه الأخيرة وصفوه بأنّه في صحة جيدة.

حازم صاغيّة
يوميات الشرق حين قتل رياض خليل المعلّم

حين قتل رياض خليل المعلّم

قال رياض إنّه لم يقتل خليل المعلّم. أقسم بأشقّائه المغتربين، كما أقسم بغربتهم، على براءته. حين تجمّع الناس حوله، اصفرّ وجهه قليلاً، لكنّ لسانه لم يُعقد. لقد مضى، بشيء من الطلاقة، في رواية ما حصل: «بالكاد مسّـتْهُ سيّارتي فهوى على رأسه في حفرة الساقية التي لم يخرج منها». وما إن توقّف عن الكلام كأنّه يختبر استجابة الآخرين الذين ظلّوا صامتين، حتّى أضاف: «المرحوم خليل تجاوز التسعين كما تعلمون»، ثمّ حرّك يديه كأنّه ينفض عنهما شيئاً علق فيهما. المتجمّعون حول رياض بدوا موزّعين بين حماستهم لسماع روايته وتدبير الجثّة ونقلها إلى حيث ينبغي أن تُنقل.

حازم صاغيّة
تحقيقات وقضايا إعلام قديم... إعلام جديد... ماذا نتوقّع؟

إعلام قديم... إعلام جديد... ماذا نتوقّع؟

غاب العصر الذي كانت فيه صحافة الورق والحبر تحتكر الإعلام وتتربع على عرشه. انهارت إمبراطوريات، وتزعزعت قواعد احتكار الخبر، التي كانت تنفرد بها ما أصبح متعارفاً عليها باسم «وسائل الإعلام المكتوب». انهارت أيضاً قدرة الصحافي نفسه على الاحتكار وممارسة ديكتاتوريته في التفرد والتحليل. نحن في عصر صار فيه كل مَن يحمل هاتفاً جوالاً أو لوحة مفاتيح محللاً ومخبراً وصحافياً. ولا يقتصر الأمر على هذه الفئة ممن نحب نحن، أهل المهنة «التقليدية»، أن نسميهم «هواة الإعلام».

حازم صاغيّة
تحقيقات وقضايا سلطة فلاديمير بوتين وطريقه إلى السلطة

سلطة فلاديمير بوتين وطريقه إلى السلطة

يتراءى لمن يحدق في نظراته الزائغة أن فلاديمير بوتين يبيع بضاعة مغشوشة. قد يبيع السكّر لمُصاب بالسكري، أو فاكهة طُمر فاسدها تحت طبقة رقيقة من ثمار طازجة. بروزه الأول انطوى على غشّ: ضابط الـ«كي جي بي» الذي كان في ألمانيا الشرقية إبان ثورتها، أحرق الوثائق التي في حوزته. إتلاف الوثائق قد تستدعيه ضرورات حربية أو مصلحة وطنية، لكن ذلك لا يلغي كونه تزويراً للتاريخ. في صعوده المبكر مارس الغش حين أوكل إلى التلفزيون إعادة صنعه وتوضيبه. لقد لعب على ازدواج يتطلبه الروس في حقبة فقدوا فيها ثقتهم بالنفس: قيل إنه، هو الذي يجيد الألمانية، وجهٌ يشبه وجوه «الآريين». هذا ما خاطب قرف الروس مما هم فيه.

حازم صاغيّة