عبده خال
أولى صوت «الحمى المتوحشة»

صوت «الحمى المتوحشة»

هل جرى الزمان - في هذا المنعطف التاريخي - بمثل هذا الرعب؟ البارحة فقط أغلقت مدينة جدة منافذها، وتغطت بعباءة سوداء اسمها الليل، اكتفت بمن فيها، وحملت صندوق الذكريات لتسد بها مسامات الهلع النابت مع نبضات القلوب... البارحة ولأول مرة - في التاريخ - تقتعد تلك المراهقة عرصات تمددت جدرانها طولاً وعرضاً، وجهزت فراشها من غير غطاء، واقتعدت تراقب حمى تطوف العالم راغبة في قطف الأنفس. هل جاءت - هذه الحمى - من غياهب الماضي لتفي بوعدها لأمي! قبل مغادرة قريتنا لحقت بنا ونحن على سفر وضج صوتها خلفنا: لن تهربي به مني يا عائشة. لا يزال صوت تلك الحمى المتوحشة يسري في بدني فيقشعر منه كل بدني.

عبده خال
يوميات الشرق في ليالي منع التجول ينتابني هاجس كوعد لإغاظة أمي!

في ليالي منع التجول ينتابني هاجس كوعد لإغاظة أمي!

مدينة جدة فتاة سافرة في مراهقة لا تشيخ، وهي مدينة لا تعرف شيئاً سوى الحبور، لذا تظل في حالة غزل لأي عين متلهفة لكلمة حب، أو لقلب عاشق أضناه الهيام فحام بفضائها يشكو لوعة وجده... فلا تبخل عليه وتسكنه المهج ... كفتاة لعوب. ليس لشيء سوى أنها مراهقة تمعن في تكذيب أسطورة (نجمة الصبح)، فتظل ساهرة إلى أن يقبل كوكب الزهرة، فتضم ضياءه بتحد: لن أنام ففعل ما تشاء ! ليلياً تمد أمواجها إلى الشواطئ، وتسرح جدائل سمائها، وتضفر جدائل شوارعها، وتكحل أهداب أركانها بإثمد السحر، وترش طيوبها بين أزقتها المنحنية، وطرقها الفاخرة، وترتدي فساتينها لكي تقابل كل عاشق باللون الذي يتغنى به .

عبده خال